غزة | في الذكرى السابعة عشرة لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، تجدّدت الاتهامات المتبادلة داخل حركة «فتح» حول الجهة التي تقف خلف اغتياله بالسمّ، في وقت لا يزال فيه الملفّ مفتوحاً، ولم تخلص أيّ من لجان التحقيق فيه إلى أيّ نتائج أو اتهامات لأشخاص أو جهات معيّنة، إلّا أن مصادر في السلطة الفلسطينية كشفت، لـ«الأخبار»، وجود قرار سابق صادر عن الرئيس محمود عباس بـ«إماتة اللجنة وتحقيقاتها». وتوفّي عرفات في 11 تشرين الثاني 2004 عن عمر ناهز 75 عاماً، في مستشفى «كلامار» العسكري في العاصمة الفرنسية باريس، إثر تدهور سريع في صحّته لم تتّضح خلفياته، عقب حصاره من قِبَل الجيش الإسرائيلي في مقرّ المقاطعة في رام الله، لعدّة أشهر، ليظلّ السؤال حول مَن أدخل السمّ إلى جسد «أبو عمار» عالقاً حتى اليوم. ومع أن خبراء روساً وفرنسيين وسويسريين أخذوا، في تشرين الثاني 2012، عيّنات من جثمان عرفات بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة، واكتشفوا غاز «الرادون» المشعّ في العيّنات، إلّا أنهم استبعدوا فرضية الاغتيال. لكن «معهد لوزان السويسري» للتحاليل الإشعاعية كشف، في تحقيق بثّته قناة «الجزيرة» القطرية عام 2012، وجود «بولونيوم مشعّ» في رفات عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مسموماً بهذه المادّة.
تبادل عباس ودحلان، مراراً، اتهامات بالمسؤولية عن التخلّص من عرفات بهدف وراثته

وشكّلت قيادة السلطة لجنة تحقيق رسمية في ملابسات وفاة الرئيس الراحل، لكنها لم تعلن حتى الآن خلاصاتها، على رغم تصريحات رئيسها، توفيق الطيراوي، في أكثر من مناسبة، عن أن «بيانات وقرائن تشير إلى أن إسرائيل تقف خلف اغتياله». المفاجأة، وفق ما يكشفه مصدر قيادي «فتحاوي»، لـ«الأخبار»، هي أن عباس أصدر في وقت سابق قراراً بتجميد عمل اللجنة وعدم تحريكها أو كشف نتائج تحقيقاتها، بحيث لا يُوجَّه اتهام قد يستدعي التقدّم إلى المحاكم الدولية ضدّ مسؤولين في دولة الاحتلال عن اغتيال عرفات، وذلك بعد ضغوط وتهديدات أميركية وإسرائيلية. وبحسب المصدر، لا يزال الغموض يحيط بهذا الملفّ، في وقت يرفض فيه عباس التوسّع في التحقيقات أو إعلان خلاصات أو أسماء، على رغم أنه أعلن قبل خمس سنوات أنه يعرف الشخص المسؤول عن الاغتيال، وأنه سيكشفه قريباً، كما أنه دائماً ما يلمّح إلى مسؤولية أطراف فلسطينيين عن العملية، بِمَن فيهم القيادي المفصول من حركة «فتح»، محمد دحلان.
وخلال الأعوام الماضية، تبادل عباس ودحلان، مراراً، اتهامات بالمسؤولية عن التخلّص من عرفات بهدف وراثته في رئاسة السلطة. وفي إحدى تلك المرّات، قال عباس: «أنا أعتقد أنها ليست إثباتات وإنّما شواهد تستحقّ أن يُنظر إليها. مَن الذي أوصل السمّ إلى ياسر عرفات... تظاهرات علنية (نظّمها دحلان ضدّ عرفات)، ثمّ تأتي مرحلة الاعتذار... من أجل أن يغطّي شيئاً، ولكن كلّ الأحداث التي جرت كلّها شواهد». تلا ذلك تسريب مسؤولين في السلطة لـ«القناة العبرية العاشرة»، حسبما علمت «الأخبار»، جزءاً من مستندات لجنة التحقيق التي شكّلها عباس، يتضمّن شواهد سابقة على نيّة دحلان التخلّص من عرفات. وجاء في المستندات المسرَّبة أن «دحلان متورّط في اغتيال عرفات، عبر إدخاله أدوية مسمَّمة مع وفد أجنبي جاء لزيارة الأخير، أثناء تلقّيه العلاج في مستشفى قرب العاصمة الفرنسية باريس، إذ إن عناصر دحلان الذين رافقوا الوفد اعترفوا بذلك». في المقابل، ردّ دحلان على اتهامات عباس بأن الأخير ليس الشخص المؤهّل لتوزيع الاتهامات، باعتباره «موجوداً في قفص الاتهام، والمستفيد الوحيد من تغييب أبو عمار عن المشهد»، معتبراً أنه «ينبغي التوقّف فوراً عن المتاجرة الرخيصة بقضية عرفات، ولقد آن الأوان لوضع ملفّ التحقيقات في سياقه القانوني والعملي، بدلاً من التلاعب والتوظيف الرخيص والمغرض الذي يمارسه البعض بصورة موسمية». يُذكر أن فاروق القدومي، أمين سرّ حركة «فتح»، اتّهم كلّاً من عباس ودحلان، عام 2009، بالتواطؤ مع سلطات الاحتلال لاغتيال عرفات.