لم يرق الأمانة العامة لفريق الرابع عشر من آذار المشهد الذي أذهل اللبنانيين صباح أمس. لم يتوقّع أحد من أعضائها أو الذين زاروها أن يزحف هذا الحشد الكبير من السوريين في اتجاه سفارة بلادهم في لبنان، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية. كان اجتماع الأمانة الأسبوعي الذي تقرّر عقده ظهر أمس قد انطلق، حين بدأ توافد عدد من الأشخاص والإعلاميين الذين اعتادوا الحضور إلى الشقة المخصصة لها في منطقة الأشرفية.
زحمة السير الخانقة التي اجتاحت معظم الطرقات الرئيسية والفرعية المؤدية إلى مبنى السفارة السورية في منطقة اليرزة، تركت آثار الامتعاض على وجوههم، فكانت مادة النقاش الأبرز في حديث الموجودين. هذا يتذمّر من اضطراره إلى البقاء ساعة وأكثر داخل سيارته بسبب «المدّ السوري»، وذاك يعبّر عن «القرف من رائحة العرق» التي عكّرت صفو هواء اعتاده نقياً قبل نزوح العائلات السورية من مختلف المحافظات! أحدهم لم تتقبّل «شوفينيته» اللبنانية المشهد الانتخابي السّوري في الوقت الذي «أخفقنا حيث نجح شعب يواجه الموت والدمار منذ ثلاث سنوات»، فكيف لهؤلاء السوريين «الذين نحارب نحن من أجل حريتهم أن ينتخبوا رئيساً فيما استسلمنا نحن لواقع الفراغ»؟ صار هؤلاء يرون السوريين بمشهد واحد. السوريون أصبحوا كلّهم بعثيين. لا معارضة ولا موالاة، بل سوريين «يجب علينا طردهم والتخلص من عبئهم». يوم أمس، استعاد مسؤولو 14 آذار القاموس الذي غرفوا منه تجاه «السوري» عام 2005، بكل ما فيه من عنصرية سمحت بقتل عمال سوريين والاعتداء عليهم. بشكل ساخر حيناً، وجنوني حيناً آخر علّق الحاضرون على المقترعين السوريين. برأيهم إما أنهم «مجبَرون على الاقتراع للرئيس الحالي، وإما أنهم يستحقون ما يمارس بحقهم لأنهم لم يقاطعوا هذه الانتخابات وشاركوا في المسرحية التي يسميها البعض عرس الديموقراطية». لم يتأخر الوقت، فكان للحاضرين المستائين ما أرادوا. خرج أعضاء الأمانة من غرفة الاجتماعات المقفلة ليبشّروا بموقف مهمّ سيُعلن. استنفر الموجودون، وكانت إحدى القنوات التلفزيونية المؤيدة لـ«الثورة السورية» تستعد لبث البيان مباشرة على الهواء. جلس المنسق العام فارس سعيد في مكتبه منتظراً أن يدلي ادي أبي اللمع بما اتفق عليه الأعضاء، موحياً إلى الموجودين بارتياح تام. يحاول جاهداً إخفاء معالم اللكمة القوية التي تلقّاها، كسائر أعضاء فريقه، من السوريين المتجمهرين قرب سفارة بلادهم. دقائق قليلة وأعلن أبي اللمع ما يسرّ قلوب الآذاريين. فقبل أيام تفصلنا عن ذكرى اغتيال الصحافي سمير قصير الذي «قضى التزاماً منه بقضية حرية شعوب المنطقة، وعلى رأسها الشعب السوري البطل» كما تقول في بيانها، رأت الأمانة أمس أن «مشاركة السوريين في التصويت أوضح دليل على أنهم غير مهدّدين بأمنهم، وبالتالي فإن صفة النزوح لا تنطبق عليهم»، مطالبة «الحكومة اللبنانية بترحيلهم فوراً إلى بلدهم».
في الشكل، خصّت الأمانة في طلبها هذا «السوريين الموالين للنظام»، متناسية أن لهم الحق أيضاً بحرية التصويت لرئيس يعدّونه الممثل الشرعي لهم. هؤلاء الناس الموالون بنظرها «يستطيعون العودة إلى بلدهم، أو الأصح إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام حالياً، بغض النظر إن كانت هذه المناطق لا تزال صالحة للعيش والسكن»، المهم أن «لا يكون على الأرض اللبنانية أي مؤيد للرئيس بشار الأسد»، يقول أحد المسؤولين الحاضرين في شقة الأمانة العامة. ما يعني أن الصدقة التي يمنّ بها فريق الرابع عشر من آذار على النازحين، المتمثلة بمواقف سياسية مغلّفة بنفحة إنسانية، هي حصراً موجهة إلى اللاجئ السوري المعارض للنظام. فماذا لو كان النازحون السوريون قد هرعوا أمس لانتخاب رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا؟ هل كانت الأمانة العامة ستخرج ببيان شبيه ببيانها الأخير؟ أم أنها كانت ستطالب باحتضانهم على اعتبار أنهم أهل لهذه الرعاية؟
ابتلعت «الأمانة العامة» البيانات التي أصدرتها من عرسال ووادي خالد، يوم كان التضامن مع النازحين السوريين «ربّيحاً». هذا الفريق الذي لم يترك مناسبة إلا استثمر فيها مأساة النازحين السوريين، أثبت أمس أن عداءه للنظام السوري علناً، ليس في العمق إلا عداءً للشعب السوري. لم يبق لقوى 14 آذار إلا أن تعتذر من الوزير جبران باسيل لأنها اتهمته بالعنصرية بعد مطالبته بـ«تنظيم النزوح السوري» و«الحدّ منه».