ذكي، هادئ، مرتاح مع نفسه، ومتواضع، بحسب معظم من قابل الشاب الذي أقلق راحة حكام واشنطن. المبرمج الشجاع مثّل خرقاً صارخاً في منظومة «القيم الأميركية»، عندما نجح في كشف زيف مفاهيم عدة، أهمها: تقديس الولايات المتحدة لحرية الفرد وحقوقه. قبل عامٍ قالها الشاب العشريني صراحةً: أميركا هي أعتى ديكتاتورية في العالم. ما من «أخ أكبر» يضاهي حكومتها التي عبرت الحدود لتتجسس على العالم بأسره.
في حزيران 2013، انضم المستشار السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن (1983) إلى مجموعة «المشاغبين»، الذين مثّلوا أسوأ كوابيس واشنطن (جوليان أسانج وبرادلي مانينغ وقلة غيرهما) مفجراً فضائح تجسسية تتوالى فصولها حتى اليوم.
نشأ سنودن في منطقة إليزابيث سيتي في ولاية نورث كارولاينا في أميركا، قبل أن ينتقل مع عائلته إلى منطقة ماريلاند بالقرب من المقر الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية. «رجل القرن»، كما يحلو للبعض أن يسميه، لم يحصّل شهادة علمية واحدة، غير أن ذكاءه الفائق في المعلوماتية أتاح له التقدم في وقت قصير.
في عام 2006، عمل سنودن مبرمجاً في قسم الأمن الإلكتروني في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). خلال سنوات عمله في الـ «سي آي إيه»، يقول سنودن إنه شهد ممارسات أثارت لديه تساؤلات بشأن «صوابية ما يفعله» في أروقة المؤسسة الاستخبارية الأكثر شهرةً في العالم، لكنه لم يخطُ نحو تسريب الوثائق السرية، لأنه كان «يعول على وصول باراك أوباما إلى الرئاسة، وتحقيقه إصلاحات في هذا المجال».
عندما «خاب أمل» سنودن من إصلاحات أوباما، كان قد دخل رسمياً أروقة وكالة الأمن القومي (NSA). خلال عمله في الـ «أن أس إي» من 2009 حتى 2013، عاين سنودن أساليب التجسس التي «لا حدود لها». تعديات صارخة على حياة الإنسان حول العالم، وانتهاكات لخصوصيته على الإنترنت. قرّر تسريب كل ما وصلت إليه يداه. وفي حزيران الفائت، خرجت أولى الوثائق السرية إلى العلن عبر صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، و«واشنطن بوست» الأميركية، مفجرةً فضيحة «بريسم»، لتتوالى الفضائح الاستخبارية. حينها تخلى سنودن عن راتبه السنوي الذي قدر بـ 200 ألف دولار، وعن منزله في هاواي، ليتنقل مُطارَداً بين هونغ كونغ وموسكو، حيث يقيم الآن، بعدما وجه القضاء الأميركي إليه تهمة «التجسس وسرقة ممتلكات حكومية». في 2003، التحق سنودن بالجيش الأميركي، وخاض تدريبات تمهيداً للمشاركة في غزو العراق والقتال هناك. يقول سنودن في هذا الإطار: «شعرت بمسؤوليتي الإنسانية التي حتمت علي المساعدة على تحرير الناس من العيش تحت الاضطهاد». رغبة سنودن لم تتحقق حينها، لأنه سُرّح من الجيش بعدما كسر رجليه. بعد عشر سنوات، وقف سنودن في الجهة النقيضة تماماً، مجتازاً مسافةً كبيرة في تحقيق رغبته القديمة، لكن هذه المرة من خلال تعرية من يضطهد الناس حقاً ويعيق تحريرهم.