«لطالما اتُّهم من يقتنع بهذه الحقائق بأنه من دعاة نظرية المؤامرة». هذا ما كتبه الصحافي الأميركي غلن غرينوالد (46 عاماً) في مقالةٍ أعقبت نشر وثائق عن حيلٍ سيكولوجية وجنسية تستخدمها وكالة الأمن القومي الأميركي ونظيرتها البريطانية للإيقاع بالأفراد والشركات عبر الإنترنت. ربما كان من أهم ما فعله شريك إدوارد سنودن في فضائح التجسس الأميركية والبريطانية التي طاولت العالم، أنه قال للرأي العام العالمي بوضوح: «بلى، المؤامرة موجودة».
هو الرجل الذي «أخرج إدوارد سنودن من دفء هاواي وساعده على الاحتماء ببرد موسكو»، ثم أصبح من الصحافيين الأكثر تأثيراً في العالم خلال أقل من سنة.
انتقل غرينوالد من المحاماة إلى الصحافة عبر مدونة أنشأها عام 2005 بعنوان «صالون»، قبل أن يكتب لـ«ذا غارديان» البريطانية. لا يعترف غرينوالد، حتى اللحظة، بكونه صحافياً. يعدّ نفسه «ناشطاً»، وهذا ليس مستغرباً حين نتعرف إلى الخلفية السياسية للرجل ومواقفه الحادة من الإدارة الأميركية. عُرف غرينوالد بانتقاده للرئيس الأميركي السابق جورج بوش ولسياسة «الحرب على الإرهاب»، قبل أن يساند مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج ومسرب المعلومات برادلي مانينغ، وأخيراً إدوارد سنودن. إلى جانب الأخير، وقف غرينوالد مع الصحافية ومخرجة الأفلام الوثائقية لورا بويتراس والصحافي البرازيلي دايفيد ميراندا. هذا الرباعي أحدث «ثورة» على أكثر من صعيد. إلى جانب الحيّز السياسي للوثائق المسربة، أعطى هؤلاء، وعلى رأسهم غرينوالد، بعداً آخر للصحافة، وأثار نقاشات في «صحة» هذا النوع من العمل الصحافي.
لم يكن غرينوالد ظلاً لسنودن. فقد عانى الصحافي المقيم في البرازيل من مضايقات على خلفية توليه مسؤولية نشر الوثائق المسربة. وبلغت التداعيات ذروتها حين احتجزت شرطة العاصمة البريطانية زميل غرينوالد وشريك حياته دايفيد ميراندا (28 عاماً) في مطار هيثرو في لندن لساعات طويلة في آب الفائت، حيث استُجوب عن مكان الوثائق المسربة. التوقيف الذي أدى إلى توتر في علاقات الحكومة البريطانية مع نظيرتها البرازيلية، تزامن مع إتلاف السلطات البريطانية أقراصاً صلبة في مكاتب الغارديان، تضم ملفات الوثائق المسربة.
في شباط الفائت، خرجت مجلة «ذا إنترسبت» إلى الفضاء الإلكتروني ضمن مشروعٍ جديد أسسه الملياردير الأميركي ـــــ الإيراني بيار أوميديار بمساعدة غرينوالد ولورا بويتراس والصحافي المثير للجدل جيمي سكايهل. تحظى المجلة بشعبية واسعة لاستمرارها في نشر الوثائق المسربة، ولدفاعها عن «حق الفرد في المعرفة»، ولمضيّها في تحدي «الأخ الأكبر» ومواجهته حتى النهاية.