حضرة السيد نيكولا ليتييري المحترمتحية وبعد،
بصفتي الشخصية وبصفتي رئيس مجلس إدارة «شركة أخبار بيروت ش.م.ل»،
اشكركم، بداية، على تفهم الظروف الخاصة بتشكيل فريق دفاع منطقي وواقعي. وقراركم «تأجيل» جلسة 13 ايار 2014 الى يوم الخميس في «29 ايار 2014». علما ان المدة الممنوحة لي، لا تشكل الفرصة الزمنية الكافية لانجاز المطلوب مني. وأنتم تعرفون ان «القوانين في لبنان»، كما في بلدان اخرى، تفرض منحي مهلة تمتد بين «شهرين وثلاثة شهور» على الأقل. فكيف الحال، ونحن امام محكمة أنشئت حديثاً وتخضع لقواعد خاصة يعتريها الكثير من التساؤلات والغموض.

أود احاطتكم، بما يساورني من شكوك مشروعة لجهة توفر شروط الأمن والمحاكمة العادلة، وهذه المشاعر تنقسم الى ثلاثة:
1 ـــ مشاعر مشروعة بإمكانية استغلال الاتهام وإجراءات المحاكمة للتعرض لي شخصيا ولأعضاء عائلتي والعاملين في المؤسسة:
بداية، وجب لفت انتباهكم الى ان المحكمة الدولية المعنية بجريمة اغتيال رفيق الحريري، تمثل «عنصر الانقسام الاكبر» في لبنان. وهناك «انعكاسات سلبية هائلة» لكل ما يصدر عنها، وخصوصاً لقراراتها الاتهامية. وهو امر، يترك «الاثار الخطيرة» على جميع من يرد اسمه كمتهم فيها.
وعليه، فان الادعاء المساق بحقي وبحق جريدة «الاخبار» يرتب «نتائج خطيرة تتعلق بأمني الشخصي وأمن عائلتي». وهو يؤدي عمليا الى اقحامي في نزاع سياسي ــــ امني، محلي واقليمي ودولي، لا طاقة لي على تحمله.
2 ــــ مشاعر مشروعة باعتباطية المحكمة لتجاوز مبدأ أن لا جرم من دون نص:
إن مبدأ «لا عقاب من دون نص» المكرس في الدستور اللبناني، كما في المواثيق الدولية، هو مبدأ أساسي لتجاوز حكم الاعتباطية «arbitraire»، ولضمان الحد الأدنى من مشاعر الثقة بالعدالة. ما يمكن المتهم من التعرف مسبقاً على النصوص التي تطبق عليه، وما هي العقوبات التي قد يحكم بها.
وخلافا لهذا المبدأ، الذي يشكل من دون ريب حجر الأساس للعدالة، أجد نفسي اليوم بعد الاطلاع على قرار الاتهام، أمام كم كبير من «التساؤلات المشروعة» حول القوانين واجبة التطبيق، وحول العقوبات الممكن إصدارها بحقي وبحق الشركة. وهي تساؤلات ليس بإمكان أي «مختص قانوني إعطاء إجابات جازمة» بشأنها. ومرد ذلك، وجود تناقض تام ما بين مبادئ القانون الدولي وأصوله، والنظام الأساسي للمحكمة من جهة. وعدد كبير من قواعد الإجراءات والاثبات من جهة ثانية.
يقف على رأس هذه التناقضات، سند الادعاء نفسه (المادة 60 مكرر) الذي «يتعارض تماما مع قانون العقوبات وقانون المطبوعات اللبنانيين» الواجبي التطبيق وفق النظام الساسي للمحكمة بالذات.وطبعا، لا يمكن الرد على ذلك، بالقول انه يمكن للمتهم الادلاء بما لديه من دفوع في المحكمة، لجهة الطعن باختصاصها أو بمشروعية المادة 60 مكرر. ان منطق العدالة، يفرض، لضمان حصول محاكمة العادلة، «ان تكون أصول هذه المحاكمة وقواعدها محددة ومعروفة قبل مباشرتها»، لا أن تضيع خلف عبارات ضبابية يتم الكشف عنها أو اكتشافها أثناء المحاكمة. فنحن أمام اتهام لي ولمؤسستي يعرضنا لمخاطر كبيرة، ويفترض أن يكون مبنياً على نصوص واضحة ومحددة مسبقا، و«لسنا هنا في حقل اختبار».

نحن امام محكمة تضررت
صورتها ومصداقيتها
بشكل كبير
وما يعزز المشاعر باعتباطية الملاحقة ايضاً، هو ذهاب القرار الاتهامي الى حد «ابتداع سوابق قانونية» من شأنها أن تولد بلبلة وتزعزع الثقة بالقانون الدولي برمته. فتوجيه اتهام صريح للشخص المعنوي (هو شركة أخبار بيروت ش.م.ل) الذي أمثله، «يشكل سابقة فريدة» من نوعها دولياً، وخلافاً للقانونين الدولي والمحلي. وهو امر يعزز مشاعر القلق لدى المتهم، والخوف من الاعتباطية حين يجد نفسه موضع قرارات تتعارض تماماً مع مجمل السوابق القانونية والقضائية ومع انتظاراته المشروعة. وما يزيد هذه المشاعر والتساؤلات حدة، هو صدور هذا القرار ليس عن مدع عام (هو بمثابة الخصم للمتهم أو للدفاع)، انما عن «رئيس المحكمة نفسه»، والذي يفترض به أن يعكس روحية عمل المحكمة، وأن يكون الأكثر حرصاً على صون مبدأ حيادية المحكمة.
3 ــــ مشاعر مشروعة باستهداف الاعلام النقدي والمعارض:
إنطلاقا من ذلك، ومن الانتقائية في ملاحقة عدد من المؤسسات الإعلامية دون أخرى. لا أخفي عليكم مشاعري القوية، بوجود نيات مبيتة باستهدافي واستهداف جريدة «الأخبار». ويمكن لكم هنا التثبت، عبر مكتب المحكمة في بيروت، من حجم «الملاحقة السياسية والقضائية» التي تتعرض لها «الاخبار»، وانا شخصياً، والتي تقف خلفها جهات رسمية في الدولة، وقوى نافذة، «يصادف» انها جميعاً من الفريق السياسي اللبناني الذي دعم قيام المحكمة الخاصة خلافا للدستور والقوانين المرعية في لبنان. وهو الفريق الذي «وظف سياسياً» كل اخطاء المحكمة وفرق التحقيق الدولي ضد خصومه السياسيين والاعلاميين في لبنان.
ان هذه الانتقائية تعزز مشاعر القلق حيال السعي، الى «اسكات الاعلام النقدي والمعارض» للمحكمة ومنعه من القيام بأعمال الرقابة الضرورية لعمل المحكمة. وما يعمق هذه المشاعر، هو الكم الهائل من الاخطاء والاعتداءات على حريات افراد لبنانيين، والتي قامت على يد فرق التحقيق والادعاء التي تعاقبت على العمل في ملف جريمة اغتيال رفيق الحريري حتى يومنا هذا.
على انه من المفيد التنبه الى ان هذا الشعور ليس خاصاً بي، انما يشاركني به عدد كبير من العاملين في الجسم الاعلامي اللبناني، وذلك على خلفية شعورهم بأن استدعائي انما «تهدد حريتهم في التعبير وحقهم في المعرفة والنشر». و اعتقد، ان مكتب التواصل في المحكمة، يجب ان يكون قد اطلعكم، على حجم حملة التضامن معنا وعلى حجم «ردود الفعل الغاضبة على قرار الاتهام». كذلك ما وصلكم الى الان، من رسائل تعترض على القرار الاتهامي برمته.

السيد ليتييري المحترم
بناء عليه، وتأكيدا على ضرورة توفير كامل شروط المحاكمة العادلة والدفاع الواقعي والمنطقي، فانني اتوجه اليكم بالاستفسارات الاتية:
اولا: ان التدابير الامنية التي تقوم بها المحكمة الخاصة بلبنان لحماية العاملين لديها، او المرتبطين بأعمالها مباشرة، سواء داخل لبنان او خارجه، تمثل «خير دليل» على ضرورة اتخاذ تدابير امنية خاصة لكل من يتم اقحام اسمه في سياق عمل المحكمة. اكان «قاضيا او محاميا او موظفا اداريا او شاهدا او متهما».
وعليه، فانني اتوجه اليكم بالسؤال، عن الضمانات الامنية الخاصة بحمايتي وافراد عائلتي «طوال فترة الاجراءات وبعدها». مع ضرورة الاخذ بعين الاعتبار، انني امثل في هذه اللحظة بالذات، وبعد صدور قرار الاتهام، «عنصرا معاديا لقوى لبنانية»، تتعامل مع كل نقد لعمل المحكمة، باعتباره شكلا من اشكال التورط في جريمة اغتيال رفيق الحريري والآخرين. ولدى هذه القوى، أذرعها الأمنية والعسكرية والميليشيات غير المنضبطة. بالاضافة الى أنني على «خصومة مع جهات اقليمية ودولية»، تملك القدرات الكبيرة على القيام بعمل أمني خطير، ويمكنها ببساطة، «الاستعانة بعصابات اجرامية» للقيام بما تريد القيام به، مستفيدة من غطاء الملاحقة القائمة من قبل المحكمة المعنية بجريمة سياسية كبرى.
وبالتالي، يحق لي سؤالكم ايضا، عن كيفية ضمان حماية كافة الموظفين العاملين معي في جريدة «الاخبار» والذين يشعرون جميعاً، ومنذ صدور قرار الاتهام، «بالقلق حول أمنهم ومصيرهم»؟
ثانياً: تحرص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وبصورة دائمة، على اعلان احترامها لأعلى المعايير الدولية لتحقيق العدالة. وتبعا لمشاعري المشروعة بالتشكيك بذلك، «ودرءاً لاعتباطية الملاحقة» في ظل نصوص مبهمة يتخللها التناقض، فانني اتوجه اليكم بطلب توضيح المسائل التالية:
أ ــــ مع تحفظي لجهة تضمين قواعد الإجراءات والاثبات جرماً جديداً وعقوبة جديدة (المادة 60 مكرر)، وهو الجرم الذي تم الادعاء ضدي بموجبه، فانني اسألكم مباشرة، عن حدود تطبيق قانون العقوبات وقانون المطبوعات (المرسوم الاشتراعي 104/77 مع تعديلاته) اللبنانيين على هذه القضية، ولا سيما لجهة «تحديد العناصر الجرمية المثارة فيها والعقوبات» التي قد تترتب في حال توفر هذه العناصر. وهل من «حدود» لتطبيقهما؟ وفي حال اختلاف هذه العناصر الجرمية والعقوبات مع العناصر الجرمية والعقوبات الواردة في المادة، لأي المواد «تكون الغلبة»؟
ب ــــ مع تحفظي الشديد ازاء اتهام شركة إعلامية، وإزاء تضمين القرار الاتهامي «عبارة مبهمة» بشأن العقوبات الممكن انزالها بها، فأنا افترض انه من حقي الطبيعي، ان اكون مطلعاً بصورة مسبقة، على السند القانوني والاليات من اجل «تحديد العقوبات» الممكن فرضها على الشركة.
ج ــــ يوفر قانون المطبوعات اللبناني ضمانة تامة ومطلقة، «بعدم جواز التوقيف الاحتياطي» في الجرم موضوع الاتهام. فهل هذا معمول به من قبلكم، واذا كان الجواب النفي. فانني اسألكم عن الضمانات المتوفرة لدى المحكمة لمنحي «الحق المكرس» في القانون اللبناني بعدم حصول توقيف احتياطي؟
د ـــــ ما هي «المعايير» التي تم على اساسها تعيين «صديق للمحكمة كمدع عام» في قضية تحقير، وبشكل مخالف للنظام الاساسي للمحكمة الخاصة، والذي يفرض «استشارة الحكومة اللبنانية» قبل تعيين المدعي العام. مع التشديد هنا، على تحفظي الكامل على شرعية ودستورية انشاء هذه المحكمة، وتحفظي حول اختصاصها وعملها؟
ه - ما هي «الحقوق» المعطاة لي، من اجل تأمين حق الدفاع عني وعن جريدة «الاخبار»، لناحية «تعيين محام او اكثر»، او الاتفاق مع مكتب محاماة متخصص، سيما وان «الوضع المالي» للجريدة لا يسمح بتغطية المصاريف الباهظة التي يطلبها المحامون في قضايا مماثلة؟
السيد ليتييري المحترم،
بناء على ما تقدم، وبانتظار الحصول على «اجابات وافية» عن هذه التساؤلات المشروعة، فانني «اطلب تأجيل» موعد الجلسة المزمع عقدها في 29 ايار 2014، «لفترة زمنية جدية وكافية لانجاز المطلوب مني». علماً انه، وفي ضوء الاجابات المفترضة من قبلكم على اسئلتي الواردة اعلاه، سيكون بمقدوري «اعتماد» الخيار المناسب، في الدفاع عن نفسي وعن الجريدة.
كما اجد لزاماً علي لفت انتباهكم، ومسبقاً، الى خطورة التعامل بانفعال مع رسالتي واسئلتي، او اعتبارها على انها «تهرب من المسؤولية». ومن المؤكد لي، بأن اي تفسير سلبي لأسئلتي، قد يدفعكم الى خطوات خاطئة، ستنعكس مزيدا من الضعف في مصداقية المحكمة. كما ان اللجوء الى «محاكمة غيابية»، سوف يفتح الباب امام تشكيك قوي من جميع المعنيين بحقوق الانسان، في عدالة محكمتكم. وسوف أرفض بصورة مطلقة، توكيل اي شخص او جهة للدفاع عني خلافا لارادتي. وسوف احملكم، مسؤولية هذا العمل ان حصل، كما سوف احمل كل من قبل بتولي مهمة كهذه خلافا لارادتي، كامل المسؤولية عن الاضرار الناجمة عنها.
لا اظن، انكم تحتاجون الى من يلفت نظركم الى «ان توفر الشرط الاخلاقي والانساني والمهني» لقيام محاكمة عادلة، يستدعي حكما، توفير كل «شروط الدفاع للمتهم»، فكيف الحال، ونحن امام محكمة تضررت صورتها ومصداقيتها بشكل كبير. كذلك في ظل الشكوك الكبيرة التي تحيط بظروف قيامها وطريقة عملها وانتقائية الملاحقة في جرم التحقير واجتراح السوابق الدولية للادعاء ضد الشركات الإعلامية في لبنان؟