مطلع الشهر الحالي تذكّرت كرة اليد أمجادها مع مرور 11 عاماً بالتمام والكمال على تحقيق نادي السد اللبناني حلماً لم يكُن في البال يوماً، وهو الحصول على لقب بطولة الأندية الآسيوية لأبطال الدوري لكرة اليد في عام 2010، والتي أقيمت في بيروت.هذا الإنجاز الكبير الذي كان الأول والأخير بهذا الحجم اعتقد كثيرون أنه سيؤسّس لمستقبل كبير وأكثر ازدهاراً لكرة اليد اللبنانية، وخصوصاً بعدما تبعه في السنة التالية إنجاز آخر تمثّل بحلول السد في المركز الثالث في مونديال الأندية الذي أقيم في العاصمة القطرية الدوحة.
لكن إنجازات الوصافة ومنصّات التتويج قبلها وبعدها وما رافقها من نقلة نوعية لفتت الأنظار الشعبية إلى كرة اليد لم تكن كافية لحماية ما تحقق، فكان الواقع المحلي أقوى من كل الطموحات، فقرّر هذا النادي الفتيّ بعمره والكبير بانتصاراته ترك الساحة في عام 2014، ليخرج توازياً رئيسه تميم سليمان ويذهب لصناعة إنجازات أخرى مع نادي العهد لكرة القدم.
ما حصل كان مقدّمة لتقهقر اللعبة ومن ثم اختفائها، وتجربة السد الناجحة سقطت أمام الحسابات الشخصية الضيّقة فصارت كرة اليد في غياهب النسيان حتى خرج الاتحاد المحلي قبل أيام معلناً بخجل عودة النشاط من خلال تنظيم «كأس الاتحاد» ابتداءً من الاثنين المقبل.

توقّف طويل
بيان الاتحاد الذي تأخر بمواكبة عودة الحياة إلى مختلف القطاعات والرياضات في لبنان، أشار إلى توقف اللعبة منذ عام ونصف العام بسبب تفشي وباء «كورونا». لكن الواقع أن كرة اليد لم تعرف أيّ نشاط منذ عامين ونصف تقريباً أي قبل الأزمة الصحية وحتى قبل تحركات «17 تشرين» الشعبية وما تلاها من أزمةٍ اقتصادية. وقتذاك، تقاطعت المعلومات عند سببٍ وحيد لهذا الجمود، وهو ما قيل عن صرف أموالٍ كثيرة لاستضافة تصفيات كأس آسيا للاعبات دون 19 سنة، ما أدّى إلى عجزٍ أصاب اللعبة بشلل استمر مع اختفاء التظاهرات وتخفيف الإجراءات الصحية.
ورغم ذلك تمّ انتخاب اتحادٍ جديد منذ عامٍ تقريباً، لكن اجتماعاته غابت بحسب مصادر موثوقة، حتى انعقدت إحدى الجلسات عبر تقنية الاتصال بالفيديو وأفضت بعد إصرار بعض الأعضاء على المعترضين إلى تنظيم «كأس الاتحاد» بعد عناء طويل ومطالبات بضرورة إعادة إحياء اللعبة.
إذاً اللعبة ستعود لكن بعد التوقف ليس كما قبله، فهنا نسي اللاعبون شكل الملاعب بعدما ذهبوا إلى ملء الوقت الذي كانوا ينشغلون فيه بالتمارين والمباريات بالعمل في وظائف إضافية تدرّ عليهم بعض المال وتبقيهم في جو الرياضة، أمثال أولئك الذين ذهبوا للعمل في مراكز اللياقة البدنية وغيرها.
نشاط خجول لكرة اليد لا يحظى بإجماع من أب اللعبة


أما أبرز اللاعبين فغالبيتهم هجروا اللعبة وحتى البلاد، وهو أمر منطقي، فآخر مشاركة للمنتخب كانت منذ أكثر من 5 سنوات في تصفيات كأس العالم في البحرين. هذا في وقتٍ لم يبدُ فيه أن الاستمرارية مضمونة، فلا تنشئة للاعبين جدد ولا بطولات للفئات العمرية ولا حتى رعاة للأندية الذين حاول بعضها استقطاب الداعمين طوال الشهر الماضي وامتداداً إلى الشهر الحالي لكن من دون نتيجة، بسبب هروبهم بحسب ما قال أحدهم، ومنهم رؤساء لأندية معروفة في كرة القدم اللبنانية!

بطولة غير مضمونة
عودة «كأس الاتحاد» لا تعني عودة اللعبة عامةً أو إقامة بطولة الدرجة الأولى أو غيرها من الدرجات في وقتٍ قريب، والدليل أن النشاط الذي يؤمل إقامته لم يجمع أكثر من 8 أندية بينها 3 من الدرجة الثانية، وهي قسّمت على مجموعتين الأولى بيروتية وتضم أندية الجيش اللبناني، فوج إطفاء بيروت، نادي 1875، ومون لا سال (درجة ثانية). أما الثانية فهي مجموعة جنوبية ويستضيفها نادي الشباب حارة صيدا الذي يلعب فيها مع المبرة، ميفدون (درجة ثانية)، ومنارة جبل عامل (درجة ثانية).
8 أندية هو عدد قليل وغير كافٍ لضمّ كل اللاعبين، ومنهم مرتبط بأندية غير مشاركة أصلاً، ما دفع الاتحاد لفتح باب الإعارة حصراً خلال «كأس الاتحاد»، علماً أن أبرز نادٍ أي الصداقة بطل لبنان لم يشارك بقرارٍ غريب كون رئيسه يترأس الاتحاد، ولم يفتح أبواب ملعبه بحجّة أن القاعة تحتاج إلى الصيانة وتوفير المحروقات لإضاءتها، ما يُثبت أن النشاط المزمع إقامته لم يكن يحظى بقبول الكل داخل الاتحاد.
لكن لا يخفى بالنسبة إلى المتابعين عن كثب أن الفوارق الفنية لن تكون بسيطة وسط علامات استفهام حول وضع غالبية الفرق التي لا تتدرّب بشكلٍ يومي، وهو أمر طبيعي كون ما يحصل عليه اللاعبون يوازي بدل التنقلات لا أكثر رغم أن كرة اليد هي الأقل كلفة بين كل الألعاب الجماعية في لبنان. أضف أن بعض الأندية يشارك لتحريك المياه الراكدة وأحدها اهتزت الثقة به بسبب مشاكل مالية مع لاعبيه سابقاً ما سيصعّب عليه مهمة إقناع لاعبين بالانضمام إليه.
بطبيعة الحال، قد يذهب كل هذا المشهد في مهبّ الريح، إذ قبل أيام قليلة على انطلاق «كأس الاتحاد» لا جدول للمباريات حتى الآن (ظهر أمس الخميس)، فالاتحاد ينتظر موافقة قيادة الجيش على فتح ملعب مجمع الرئيس اميل لحود الرياضي في مار روكز لاستقبال مباريات المجموعة البيروتية. أما عدم وصول هذه الموافقة فيعني إما إقامة كل المباريات في صيدا أو «العودة إلى النوم» بإلغاء المسابقة «وبلا وجع راس».