مع بدء العد العكسي لمفاوضات السلام المتعلقة بسوريا في جنيف، الجمعة المقبل، وتزامناً مع التطورات العسكرية التي يشهدها الميدان السوري، يتوقع أن يشهد ملف الرئاسة اللبنانية مجدداً حالة من الجمود، في انتظار المعطيات الاولى التي يمكن أن تظهر وتؤشر أولياً الى مرحلة ما بعد جنيف.
واذا كانت مبادرة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية قد حرّكت، قليلاً، المياه الرئاسية الراكدة، فإن فترة الانتظار والمراوحة الحالية تسلّط الضوء على ثلاثة أمور: الاول يتعلق بوضع حزب الله وموقفه من تسوية معراب ــ الرابية، والثاني يتعلق بالعلاقة بين جعجع والرئيس سعد الحريري، والثالث بمصير جلسة الثامن من شباط المقبل.
أولاً، حين يقول الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إن الحزب يقف وراء عون، وحين يزور رئيس المجلس السياسي في الحزب السيد إبراهيم أمين السيد بكركي، ويجدّد من على منبرها تمسك حزبه بعون، فإن من العبث انتظار موقف جديد من الحزب كلما حصل تطور سياسي، ولو كان هذا التطور نوعياً بحجم لقاء معراب.
وبحسب مصدر سياسي، فإن الحزب لا يضع ما يقوم به في إطار التداول الاعلامي، ولا يعلن نتائج اتصالاته التي يقوم بها، كما جرى مثلاً في مرحلة الإعداد لحواره مع تيار المستقبل، قبل أن يصل الى مرحلة يضع فيها الجميع أمام قرار يتخذه في شكل نهائي. لذا، فإن الحزب قال كلمته مرة أولى منذ الشغور الرئاسي وبعده وخلاله ــ ولن يكررها كل يوم ــ بأنه متمسّك بعون ولن يتخلى عنه، بناءً على المناشدات المكررة له ليحسم موقفه. المرة الوحيدة التي خرق فيها الحزب سياسته كانت بعد لقاء باريس، حين بدا للبعض أن الحزب يؤيد ترشيح الحريري لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، ونقل عنه كلاماً في غير محله، فاضطر الحزب الى إعادة تأكيد موقفه الثابت من عدم التخلي عن عون. ما عدا ذلك، فإن الحزب ليس مضطراً الى تجديد دعمه لعون، كلما زاد عدد مؤيديه، ما دام موقفه واضحاً من ترشيح عون وفرنجية.
جعجع لا يزال يتمتع بحرية المبادرة في حركته السياسية بينما أصيبت حركة الحريري الرئاسية بالجمود

ثانياً، حين يقول رئيس حزب القوات اللبنانية في حديثه التلفزيوني الاخير إنه لم يتحدث مع الرئيس الحريري إلا مرة واحد بعد لقاء باريس بين الأخير ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، فهذا يعني أن العلاقة بين المستقبل والقوات لا تزال على حالها من التردّي، مهما كانت أهمية ما جمعهما في الاعوام العشرة الماضية، ومهما أكد الموفدون بينهما حسن العلاقة واستمرارها. وإذا كان الاستياء من جانب المستقبل لا يزال قوياً إزاء خطوة جعجع بترشيح عون، فإن جعجع في المقابل لا يزال متمسكاً بملاحظاته حول أداء الحريري وبعض من نشطوا في الآونة الاخيرة لتسويق ترشيح فرنجية، والحملة التي تساق ضده، ولا سيما في ما يتعلق بعلاقته بالسعودية.
وفي حين يتساوى الحريري وجعجع بأنهما، كركنين من 14 آذار، رشّحا ركنين، أحدهما من قوى 8 آذار وآخر مقرّب منها، فإن جعجع يتقدم على الحريري بأنه لا يزال يتمتع بحرية المبادرة في حركته السياسية انطلاقاً من ترشيح عون، بينما أصيبت حركة الحريري الرئاسية بجمود بعدما عطّلها الفريقان المسيحيان وفريق 8 آذار نفسه.
كذلك فإن جعجع مرتاح الى ما حققته مبادرته من إيجابيات في الشارع المسيحي. فليس تفصيلاً انعكاس لقاء معراب على هذا الشارع، بعيداً عن الحساسيات التي خلقها عند حزب الكتائب وانعكست على الاخير سلباً. ورغم أن شخصيات سياسية وإعلامية لا تزال ترفض تسوية معراب ــ الرابية، إلا أن آثارها على الأرض، بحسب ما وصل الى الطرفين، مطمئنة الى أقصى حد، بعدما سحبا الاحتقان المزمن وأسّسا لمستقبل قاعدتيهما الشابة، خارج إطار الاحتكاك والتوتر وكل السلبيات التي رافقت الجمهور العوني والقواتي منذ ثلاثين عاماً. وهذا ليس أمراً قليلاً في حسابات الطرفين ومن دعم لقاءهما.
واستمرار جعجع في حركته السياسية منطلقاً بزخم في إطلالاته السياسية والاعلامية، عربياً ومحلياً، يعني أن رئيس القوات يتصرف بثبات في معركة يديرها وكأنها معركة ترشيحه الى رئاسة الجمهورية.
هاتان الحالتان تؤسّسان للحالة الثالثة: ما هو مصير جلسة الثامن من شباط في ضوء ذلك؟
لا شيء يوحي حتى الآن بأن الجلسة ستكون مختلفة عن سابقاتها، أو أنها ستكون جلسة انتخاب الرئيس، ما دام تيار المستقبل، بحسب ما كرر تأكيده أمس، يريد مشاركة أكثر من مرشح في جلسة الانتخاب، وما دام عون والحزب يرفضان ذلك.
لذا سيكون روتين الجلسات هو نفسه. الأمر الوحيد الذي تغيّر، هو أن عون أصبح مرشح القوات للبنانية بدلاً من جعجع، وأن نواب 8 آذار لن يحضروا الجلسة، كما لن يحضرها سوى نواب ما تبقى من قوى 14 آذار.