اتجهَت أنظار جهات لبنانية عدة، في الأيام الماضية، نحو الرياض أملاً بأخبار إيجابية تخرج عن اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، والذي كانت المبادرة الفرنسية في لبنان على جدول أعماله. من هم على تواصل مع المملكة استنفروا أصدقاءهم من المسؤولين السعوديين للاستفسار عما إذا كانت هناك تعديلات على سياسة الرياض تجاه لبنان، فسمعوا جواباً واضحاً: «السعودية لا تزال على الموقف نفسه منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية».تفاصيل هذا الموقف حملها سفير المملكة وليد البخاري الذي عاد أخيراً إلى بيروت، «عَ السكت»، بعد مغادرته منتصف الشهر الماضي بشكل عاجل ومفاجئ. البخاري المعروف عنه حبّه للظهور في لقاءات ومناسبات، حصر لقاءاته بعد عودته بعدد محدود جداً من «الأصدقاء»، وطلب منهم عدم الإعلان عن وجوده في بيروت. وهو قطع الطريق على أي تفاؤل بتغير في الموقف السعودي، بعدما نقل من التقوه بأن «المملكة تعتبر نفسها غير مضطرة للإعلان عن أي موقف في ما يتعلق بلبنان لأنها تعتبر نفسها غير معنية بما يجري فيه».
أما زبدة الكلام مع الضيوف المحدودين فتمحورت حول نقاط أربع:
- أولاها أن الوساطات الغربية، وتحديداً الفرنسية، مع المملكة لتعود جزءاً من المشهد، «لم تنجح، وجواب الرياض لا يزال نفسه منذ استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري»
- النقطة الثانية التي فاجأت هؤلاء فكانت تأكيدهم أن موقف الرياض من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «لا يقلّ سلبية عن موقفها من الحريري، والمملكة تعتبر أن رئيس تيار العزم «دخلَ في تسوية تشبه تلك التي أبرمها الحريري عام 2017».
طلب البخاري ممن التقاهم عدم الإعلان عن وجوده في بيروت


- لا تميّز الرياض المؤسسات الأمنية في تعاملها مع لبنان. قد أكد البخاري بوضوح أن بلاده لن تقدِم على أي «خطوة استثنائية» في ما يتعلق بالمساعدات، لافتاً إلى أن «زمن الحنفية ولّى»، وليس ذلك محصوراً بالأحزاب فحسب (باستثناء القوات اللبنانية)، بل ينسحب على المؤسسات الأخرى ومنها الأمنية، في إشارة إلى المطالبات الأميركية والفرنسية للرياض لتقديم مساعدات للجيش اللبناني للحفاظ عليه من الانهيار في ظل الأزمة.
- الأوضح والأهم في ما أسرّ به الدبلوماسي السعودي أمام زواره هو أن لبلاده «رهاناً كاملاً على الانتخابات النيابية لتغيير الطبقة السياسية». وينقل هؤلاء عن البخاري أن السعوديين، شأنهم شأن الأميركيين والفرنسيين، يعلّقون آمالهم «على مجموعات المجتمع المدني التي يموّلونها، لتكوين كتلة مرجحة داخل البرلمان» كما أن الرياض تعمل بشكل حثيث مع حزب القوات اللبنانية، الوحيد الذي لا يزال يتلقّى دعماً مالياً سعودياً، على تأليف لوائح لخوض الانتخابات مع شخصيات من المجتمع المدني في عدد من المناطق، على رغم أن هناك صعوبات لا تزال تعترض التوفيق بينهما. وهو ما لم تنفه مصادر في القوات أوضحت لـ«الأخبار» أن «اجتماعات تنسيقية تُعقد بينَ القوات وشخصيات من المجتمع المدني برزت بعدَ انتفاضة 17 تشرين»، رافضة الإفصاح عن أسمائها. وأكدت أن «التواصل مستمر، لكن عنوان أي تحالف يجب أن ينطلق من الموقف السياسي. فالتحالف الانتخابي بالنسبة إلى معراب لن يكون بمعزل عن العنوان السياسي الذي سنرفعه في الانتخابات»، أي أن «الانسجام في التوجه السياسي هو ما سيحدد مصير التحالف مع جهات في المجتمع المدني».