على رغم أن التوقّعات في ما يتعلّق بالانتخابات العراقية، تصبّ كلّها في خانة عدم حصول تغيير كبير في الأحجام في مجلس النواب المقبل، إلّا أن هذه الانتخابات ستكون مفصلية، كونها ستفرز الحكومة التي ستدير البلاد بعد رحيل قوات الاحتلال الأميركي، فيما ستجد قوى المقاومة، المتمثّلة أساساً في «الحشد الشعبي»، نفسها أمام ضرورة إعادة صياغة دورها في اتجاه تخفيف تورّطها المفرط في السياسة، والذي أثار الكثير من الجدل في السنوات الأخيرة، وكان من بين الذرائع التي ساقتها قوى سياسية حتى داخل «البيت الشيعي»، للذهاب نحو تنويع رهاناتها، فضلاً عمّا سبّبه هذا التورّط من تنافس بين قادة «الحشد» الطامحين إلى لعب أدوار سياسية، وخصوصاً تولّي رئاسة الوزراء، ما أغرق هذه المؤسّسة في منافسات داخلية معطوفة على الانتماءات العشائرية لقادتها، وعرّضها للمال الانتخابي. وبالفعل، ثمّة، مثلاً، تنافس كبير بين رئيس الهيئة السياسية لـ «الحشد» فالح الفياض، ورئيس «تحالف الفتح» هادي العامري، اللذين ينتميان كليهما إلى قبيلة بني عامر، ويطمح كلّ منهما إلى رئاسة الحكومة.

في خضمّ ذلك، تَبرز ظاهرة المرشّحين المستقلّين المنافسين لمرشّحي «الحشد» في عدد كبير من الدوائر، والذين يَحمل معظمهم توجّهات سياسية مماثلة لتوجّهات «الحشد»، لكنّ خوضهم السباق تفرضه طبيعة قانون الانتخاب الذي يعتمد الصوت الواحد والدوائر الصغرى، ما يحتّم وجود مرشّحين مقبولين على المستويات المحلّية في المناطق، ولدى العشائر، وهو ما لا يتوفّر في الكثير من الأسماء المعروفة التي مثّلت «الحشد» سابقاً. وبينما يبدو أن تصعيد هؤلاء مردّه أن ثمّة أحزاباً أو تيّارات قوية في مناطق محدّدة لا يمكن منافستها بمرشّحين سياسيين واضحين، يعتقد كثيرون أن هذه الظاهرة لن تكون مزعجة لحلفاء «الحشد» في طهران، ما دام تصويت الناخبين هو مَن سيفصل بين مرشّحين يدورون كلّهم في الفلك السياسي نفسه. ومع ذلك، ما زال «الحشد» يتمتّع بقاعدة انتخابية قوية، فيما تمثّل هذه الانتخابات مناسبة لقادته للاستفادة من تجاربهم السابقة، وتجارب جهات أخرى في محور المقاومة كانت تحاذر الانغماس في العملية السياسية وتبقى بمنأى عنها. وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أنه يجب أن يكون للحلفاء، سواءً في إيران، أو باقي فصائل محور المقاومة، دور في إقناع قادة «الحشد» بسلوك المنحى المذكور، كونه يخدم في النتيجة الهدف الذي أنشئت من أجله تلك المؤسّسة، ويعيدها إلى دورها كقوّة احتياط للدفاع عن العراق في مواجهة الإرهاب والاحتلال، ويخرجها من البازار السياسي.

أمّا في ما يتعلّق بالحملة الانتخابية بشكل عام، فتخوضها القوى السياسية العراقية بشراسة تبدو متعارضة مع عزوف العراقيين عن الاهتمام بمسألة الانتخابات، بسبب يأسهم من القوى السياسية. ويفتح هذا اليأس الطريق أمام استمرار «الموزاييك» الحالي في البلاد، ما سيؤدي إلى إعادة تدوير القوى السياسية نفسها، مع فوارق بسيطة في الأحجام، وإمكانية تحقيق خروقات على أسس عشائرية أو قومية، الأمر الذي يعني مزيداً من التشتّت في الأصوات، ومزيداً من الصعوبات في تشكيل الحكومة الجديدة. وستكون هذه الانتخابات مصيرية بالنسبة إلى الكثير من القوى السياسية، ولا سيما تلك التي ارتبطت بشكل أو بآخر بالاحتلال، وكذلك هي بالنسبة إلى الرهانات الإقليمية في الداخل العراقي. ولذا، يتكثّف ضخّ الأموال في الأيّام الأخيرة للحملة، وخاصة من جانب السعودية والإمارات وقطر وحتى تركيا. وإذ يَصعب تقدير الأحجام من الآن بسبب القانون الانتخابي، فإن القوى السياسية الكبرى تبدو مربكة، حتى لو لم يكن من المرجّح أن تخسر كثيراً، بالنظر إلى امتلاكها الإمكانات اللازمة للترويج لنفسها، ورشوة الناخبين، إذا اقتضى الأمر. وعلى رغم تراجع «التيار الصدري» نسبياً، إلّا أنه ما زال قوياً، وهو ما يُترجم بخوضه حملة انتخابية واسعة النطاق يُتوقّع أن تعود عليه بفوائد غير قليلة، في ظلّ التشظّي الذي أحدثه القانون الانتخابي داخل القوى السياسية، والذي يمنع حتى إقامة تحالفات انتخابية، ويجعل تلك القوى غير محتاج بعضها إلى بعض، إلّا على مستوى تبادل الأصوات بين الدوائر التي تختلط فيها العشائر، وخاصة داخل المدن الكبرى. ويَظهر ضخّ الأموال في مناطق الغرب خصوصاً، بسبب المنافسة بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يقود ائتلاف «تقدّم»، ورجل الأعمال النافذ خميس الخنجر، الذي يرأس تحالف «العزم»، علماً أن الأوّل مدعوم إماراتياً، فيما الثاني مسانَد تركياً وقطرياً.
هذه الانتخابات ستكون مفصلية لأنها ستفرز الحكومة التي تدير البلاد بعد رحيل قوات الاحتلال


وفي أحاديث إلى «الأخبار»، تفاوتت توقّعات عدد من النواب والمرشّحين للانتخابات والحكومة المقبلة، إذ رجّح الأمين العام لتيار «الفُراتَين»، النائب والمرشّح محمد شياع السوداني، حدوث تغيير في الخارطة السياسية بعد الانتخابات قد تصل نسبته إلى 25 أو 30%، إذا ما اتّسعت المشاركة، مبيّناً أن العديد من التيّارات الفتيّة ستحصل على مقاعد، وكذلك المستقلّون. وإذ أقرّ بانعدام الثقة بين الأغلبية من الجمهور والطبقة السياسية نتيجة تراكم الأخطاء والفساد والبطالة وتراجع الخدمات، فهو تَوقّع حصول مشاركة واسعة بعد بيان المرجعية الدينية العليا لأنه «ليس أمام العراقيين سوى صناديق الاقتراع للتغيير». واستبعد ترشيح رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، لدورة ثانية، ولكنه رأى أن التوافقات والمشاورات مؤجّلة إلى بعد ظهور نتائج الانتخابات، فضلاً عن أن عدّة عوامل خارجية وداخلية ستلعب دوراً في تحديد شكل الحكومة المقبلة. من جهته، لا يعتقد اللواء المتقاعد، المرشّح زمان صاحب الدراجي، أن حظوظ غير الحزبيين كبيرة، إلّا إذا كانت هناك مشاركة واسعة؛ وذلك لسببَين: الأوّل هو أن جمهور الأحزاب ثابت، والثاني هو أن الانتخابات تتطلّب دعاية انتخابية واسعة، وهذا يقتضي دعماً مادياً كبيراً، ومن الصعب على غير الحزبي أن يخصّص أموالاً كثيرة للدعاية، بخلاف الأحزاب التي ترصد مبالغ كبيرة للغرض المذكور. واعتبر أن من الصعب التكهّن بنتائج الانتخابات المقبلة، إلّا أنه توقّع أن يحصد كلّ من «التيار الصدري» و«تحالف الفتح» أغلبية الأصوات «الشيعية»، وأن تتوزّع أصوات السُّنّة ما بين الخنجر والحلبوسي. أمّا «الكرد»، وفق توقّعات الدراجي، فسيأتون بأحزابهم الثلاثة الأساسية: «الديمقراطي» و«الاتحاد» و«التغيير»، متّحدين للتفاوض مع بغداد، مرجّحاً أيضاً أن «تتّحد أصوات المستقلّين وغير الحزبيين من أجل الانضمام إلى الكتلة صاحبة المشروع الوطني لتشكيل الحكومة». وأعرب عن اعتقاده بأن «نسبة المشاركة قد لا تتجاوز 25%»، ولكنه حضّ الناخبين على الإدلاء بأصواتهم من أجل تغيير الواقع المرير الذي يعيشه العراقيون، «فلا بديل من الانتخابات لإحداث التغيير المطلوب، وإلّا فإن البديل هو الفوضى». وقال إن «العراقي الأصيل المحبّ لوطنه والحريص على مستقبل أبنائه، أكبر من تبليط شارع أو تبديل محوّل كهرباء أو سلّة غذائية، لأنك لو أعطيت صوتك لِمَن لا يستحق ستندم وستنتظر أربع سنوات أخرى ليقوم مرشح آخر بتبديل المحوّل وتبليط الشارع وتسليم سلة غذائية أخرى».


أمّا عضو حركة «حقوق»، المرشّح عباس العرداوي، فرأى أن قانون الانتخابات، على أقلّ تقدير، يشكّل نقطة قوّة للقوى السياسية الحديثة والناشئة، على اعتبار أن الدوائر الانتخابية أصبحت أصغر، ما يؤدي إلى تراجع الكلفة المالية التي يتعيّن على المرشح إنفاقها، ويتيح للقوى الجديدة والناشئة وحتى المستقلّين الحصول على حصص، «وهذا القانون جاء استجابة لضغوط الشارع العراقي في احتجاجات 2019 التي طالبت بتغيير النظم السياسية، وأهمّها كان موضوع قانون الانتخابات». وأشار العرداوي إلى أن استطلاعات الرأي متفاوتة، وهي تنحصر ما بين «تحالف الفتح» و«دولة القانون» و«التيار الصدري»، مضيفاً أنه لا يعتقد أن «الكاظمي يستطيع أن يقنع الأطراف المهمّة في المشهد السياسي بإبقائه في منصبه، وأنا كمرشّح لا أعوّل عليه، لأننا نسعى إلى خيارات وشخصيات وطنية. ثمّة تحفظات على تصرّفات الكاظمي كشخص، كذلك ثمّة إخفاقات على مستويات متعدّدة. ونحن كحركة حقوق نرفض التجديد له».

أنقر على الصورة لتكبيرها