عمّان | منذ زيارة الملك الأردني عبدالله الثاني، لواشنطن، في تموز الماضي، وزيارته لموسكو من بعدها، اكتملت ملامح الخطوات الأردنية المُلحّة لترتيب العلاقة مع الجارة «اللدودة» دمشق، وفقاً للتطورات على أرض الواقع، واختلاف اللاعبين والمموّلين للحرب، وحسْم ميزان القوى في الجنوب السوري لمصلحة محور المقاومة. وعلى رغم اعتبارها، في إحدى مراحل الحرب، السفير السوري، بهجت سليمان، ضيفاً غير مرغوب فيه، تمكّنت عمّان من المحافظة على خيط العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، مبقيةً على قناة اتصال، آثرت أن تكون روسية بدلاً من القناة المباشرة مع سوريا، لمناقشة التطوّرات الأمنية التي كانت ولا تزال تشكِّل أولوية أردنية على الجبهة الشمالية الواسعة.جاء التقارب الأردني - السوري مدعوماً بالضرورة بقرار ضمني إقليمي وغربي، وإن كان المدخل اقتصادياً لتقديم بديل عن الدعم الإيراني في مسألة الطاقة للبنان، ذلك أن التفاهمات الأردنية - الأميركية - الروسية على استمرار هدوء الجبهة السورية الجنوبية، كانت المحرّك الفعلي، في ظلّ الأولويات المختلفة لإدارة جو بايدن، وتفضيلها تقليص الحضور العسكري الأميركي في المنطقة وإعادة توزيع قواتها بعيداً من مناطق التوتر وقريباً من أماكن التدخّل. وبناءً على ما تقدَّم، جاء اتفاق التعاون الدفاعي الذي وقّعته واشنطن مع عمّان بداية العام الحالي، وأفصحت عنه الأخيرة في آذار الماضي. وضمن إعادة الانتشار الأميركي، تبقى قاعدة التنف نقطة لا يسهو عنها الجانب الأردني، إذ يعتبرها من النقاط الحسّاسة في منطقة الجنوب السوري الممتدّ، ما يستوجب مراقبة أردنية حثيثة للحدود التي أمّنتها واشنطن بالمعدات والتدريب اللازم لحرس الحدود الأردني، الذي يعلن بشكل مستمرّ عن إحباط عمليات تهريب مخدّرات يتمّ الترويج لها في الإعلامَين العربي والغربي على أنها عمليات هدفها تمويل القوات الإيرانية ومقاتلي «حزب الله» في المنطقة، مع التزام عمّان بالإعلان عن عمليات ضبط المخدّرات دون اتهام جهة محدّدة بها.
سيكون التركيز الأردني - السوري العلني على ملفات الكهرباء والغاز والنقل والماء وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين


وفق تطوّرات الأحداث خلال الأسبوع الماضي، أعلن الديوان الملكي الأردني إصابة ولي العهد الأمير حسين، بفيروس «كورونا». وتبعاً لذلك، دخل الملك والملكة في حجر صحي احترازي. ونظراً إلى تولّي عبدالله مع مدير مكتبه، وزير الخارجية أيمن الصفدي، زمام السياسة الخارجية الأردنية، كان لا بدّ من إعطاء هامش أكبر لحركة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، والذي يشغل منصب وزير الدفاع أيضاً، للتحرّك ضمن الخطوات الأردنية التي يمكن وصفها بالوساطة مع دمشق. وعليه، استقبل الخصاونة وفداً وزارياً سورياً ضمّ وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، وزير الموارد المائية تمام رعد، وزير الزراعة والإصلاح الزراعي محمد قطنا ووزير الكهرباء غسان الزامل. وجاء اللقاء بعد قرار وزارة الداخلية الأردنية إعادة فتح معبر جابر - نصيب أمام المسافرين والبضائع، إضافة إلى إعلان الخطوط الملكية الأردنية عودة رحلاتها من وإلى دمشق، وهو أمر لم تعترض عليه واشنطن. بعد ذلك، توجّه الخصاونة على رأس وفد وزاري أردني بشكل مباشر إلى بيروت، حيث التقى الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وعقد اجتماعاً مع نظيره نجيب ميقاتي، قبل أن يتوجّه إلى القاهرة لاستكمال المباحثات الخاصّة بتزويد لبنان بالغاز المصري عبر الأردن وسوريا، إضافة إلى استكمال الربط الكهربائي، وهو مشروع تعوّل عليه عمّان بشكل كبير للخروج من الحالة الاقتصادية المتراجعة في البلاد منذ ما قبل تداعيات الأزمة الوبائية.
لذا، فإن الاتصال بين الرئيس السوري بشار الأسد والملك عبدالله، ما هو إلا خطوة أخرى في سياق ما جرى الاتفاق عليه، ويبدو أنه مقدّمة للقاء قريب سيسفر عن ترتيبات لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، بعد فشل المحاولات الأردنية - المصرية لإتمام الأمر في القمة العربية الماضية التي انعقدت في بغداد.
خلال الفترة المقبلة، سيكون التركيز الأردني - السوري العلني على ملفات الكهرباء والغاز والنقل والماء بشكل أساسي، وبشكل جدّي على موضوع إعادة الإعمار وعودة اللاجئين. أما الملفّ الأمني الذي يتعلّق بتعقيدات الوضع في الجنوب السوري في ظلّ تواجد القوات الإيرانية ومقاتلي «حزب الله» إلى جانب الجيش السوري، في موازاة منظومة الدفاع الجوي الروسية، فستجري النقاشات حوله في الغرف المغلقة، وستعلَّق كامل المرحلة المقبلة على التفاهمات في الموضوع الأمني حصراً، خاصّة أن استمالة دمشق لناحية عمّان ستكون لها انعكاسات، ولا سيما أن الأخيرة تمثّل المصالح الأميركية وبعض المصالح الخليجية في المنطقة. ولا يخرج الأمر عن تفاهمات مع تل أبيب القلقة من طهران، والساعية إلى توجيه ضربات لمقاتليها وبنيتها التحتية في الجنوب السوري، وهذه جبهة لا تريدها عمّان ولا واشنطن ولا حتّى دمشق.