لدى اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، ولا سيما الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، قناعة بأن الاستثمار في التربية اليوم، يكمن في تحويل جزء كبير من مساعدات صندوق النقد الدولي إلى القطاع التعليمي، وأن تعمد الدولة إلى ضخّ الأموال في التعليم الخاص، وتحمّل مسؤولياتها في مساعدة الأهل لدفع الأقساط وتسديد رواتب المعلمين، على قاعدة مبدأ «العدالة والمساواة بين تلميذ المدرسة الرسمية وتلميذ المدرسة الخاصة، باعتبار أن كليهما مواطنان لبنانيان».ورغم الإقرار بضرورة مساعدة المدرسة الرسمية، إلا أن ذلك، في رأي الاتحاد، «لا يجب أن يكون على حساب المدارس الخاصة» التي تطالب بإقرار «بطاقة تربوية» لكل طالب يتسجّل فيها، على غرار البطاقة التمويلية الموعودة.
اقتراح قانون «الهُوية التربوية» تقدم به النائب إدغار طرابلسي والنائب أسعد درغام، وهو ينص في مادته الأولى على «أن يكون لكل تلميذ وطالب هوية تربوية مع رقم مرمز (موحّد) تُمنح له عند دخوله إلى المدرسة وتلازمه طيلة فترة دراسته في كل المسارات الأكاديمية والمهنية والجامعية. ويُذكر الرقم المرمز على كل الشهادات الرسمية الخاصة بالطالب. وتتولى وزارة التربية إدارة الهوية التربوية من خلال برنامج معلوماتي يصل من المديريات العامة في الوزارة والجامعة اللبنانية والمركز التربوي للبحوث والإنماء والوزارات مثل الخارجية والزراعة والمال والعمل والمؤسسة العامة للاستخدام وغيرها».
من شأن هذه البطاقة، بحسب طرابلسي، أن «تقطع الطريق على أي تزوير أو بيع للشهادات أو تسجيل المدارس لطلاب وهميين ومحاولة استصدار بطاقات الترشيح للامتحانات الرسمية في ربع الساعة الأخير قبل الاستحقاق». كما أنها «تضبط المنح ولا سيما أن نحو 45 في المئة من طلاب المدارس الخاصة هم من أبناء الموظفين في القطاع العام، ويستفيدون من المنح التعليمية من الصناديق الضامنة مثل تعاونية موظفي الدولة والجيش وقوى الأمن الداخلي وصناديق التعاضد في الجامعة اللبنانية والقضاة، فيما هناك فئة من الطلاب لا تستفيد من أي منحة كأبناء المزارعين والحرفيين والمهنيين، وهؤلاء يحق لهم الحصول على مساعدة الدولة للتسجيل في المدرسة الخاصة، والدولة مجبرة على تقديم هذا الدعم لهم بصورة مباشرة».
وينطلق هذا الطرح من المادة 10 من الدستور التي تنص على «حرية التعليم» وأن يكون لأولياء الأمور الحرية في اختيار مدرسة أبنائهم، ومن وثيقة الوفاق الوطني التي تؤكد على مجانية التعليم في المرحلة الأساسية، ومن أن المدرسة الرسمية غير قادرة على توفير مقاعد لجميع طلاب لبنان.
ألا يؤدي ذلك إلى سحب التلامذة من المدرسة الرسمية تمهيداً لإقفالها؟ يجيب طرابلسي بأن الدولة لن تغطي قسط المدرسة الخاصة بكامله، إنما هي مساهمة جزئية لمساعدة الأهل في المدرسة الخاصة، وتذهب حصراً لتمويل رواتب الأساتذة.
تسعى المدارس الخاصة إلى نيل دعم من الدولة من دون موازنات شفّافة


ويستند طرابلسي في طرحه إلى أن المدرسة الرسمية لا تستوعب جميع الطلاب، وليس هناك في لبنان «تأميم للتعليم»، وبالتالي فإن «الهوية التربوية تسهّل مسار المساعدات أو المنح والمساهمات المالية التي تمنحها الدولة لقطاع التعليم وتضمن شفافية وصولها إلى مستحقيها، وتسهم من جهة في معرفة الدولة أو الجهة المانحة لعدد التلامذة والطلاب المستحقّين». علماً أن مثل هذا الأمر يتطلب أن تقدم المدارس الخاصة موازنات شفّافة ودقيقة، كشرط أساس للحصول على المنحة من الجهات المانحة، وهو ما لا يحصل في الغالب. فالدولة الفرنسية، مثلاً، أعادت هذا العام النظر في تقديم مساعدات للمدارس الفرنسية والفرنكوفونية في لبنان، على غرار العام الماضي، بعدما كلّفت شركة تدقيق محاسبية اكتشفت «فظائع» في الموازنات ورفعت تقريراً بذلك إلى وزارة التربية، وهو ما يمكن أن يتكرر مع جهات مانحة أخرى.
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية يوسف نصر وصف اقتراح القانون بـ«المتقدم»، وهو بمثابة بطاقة تعريف بالطالب، يمكن أن تسمح له بالاستفادة من دخول المتاحف والمراكز الثقافية والمكتبات العامة. كما أنها «تؤمّن العدالة بين الطالب المنتمي إلى المدرسة الرسمية وزميله في المدرسة الخاصة. وهي تستهدف بشكل خاص الطالب الذي لا يستفيد من أي منحة تعليمية من أي جهة ضامنة للقطاع العام، على خلفية أن الدولة للجميع وليست لمن يعمل لديها فقط»، مشيراً إلى أن التلميذ في المدرسة الخاصة «مواطن لبناني عليه واجبات وله حقوق على الدولة بأن تدعم اختياره مدرسة أبنائه، فحرية التعليم منصوص عليها في الدستور، فيما اتفاق الطائف أقرّ مجانية التعليم في المرحلة الأساسية، وهو ما يبرر وجود البطاقة». وإذ شدّد على ضرورة «التكامل بين التعليمين الرسمي والخاص، فلا يلغي أحدهما الآخر»، دعا إلى المساواة في توزيع المساعدات بين القطاعين، بما يضمن حرية اختيار الأهل للمدرسة التي يريدونها لأولادهم. وأكد أن قانون «الهوية التربوية» لا يقف في وجه تعزيز المدرسة الرسمية، «لكنه حلّ جدي للمدرسة الخاصة التي هي حالياً خيار إلزامي للأهل إلى حين تعزيز المدرسة الرسمية وإمكاناتها وقدرتها وحجمها، خصوصاً أن المدرسة الرسمية لا تستوعب كل الأعداد ولا تمتاز بالجودة التربوية المطلوبة». وأضاف: «لا نخترع شيئاً جديداً، فالدولة تدفع فعلياً للقطاع الخاص 600 مليار ليرة سنوياً بين منح ومساهمات في المدارس شبه المجانية».
يذكر أن نحو 60 ألف تلميذ نزحوا في العام الماضي من المدرسة الخاصة إلى المدرسة الرسمية، بسبب عدم قدرة ذويهم على تحمّل أعباء الأقساط، وبعدما كان توزيع التلامذة على الشكل الآتي: 30 في المئة في التعليم الرسمي مقابل 70 في المئة في التعليم الخاص، ارتفعت النسبة في القطاع الأول إلى 36 في المئة مقابل 64 في المئة لتلامذة القطاع الثاني.
بالنسبة إلى الباحث في التربية والفنون نعمه نعمه، فإن «النية من البطاقة التربوية واضحة وهي تفريغ المدرسة الرسمية من أبناء الطبقة الوسطى بالحد الأدنى تمهيداً لخصخصة التعليم»، مشيراً إلى أن المشروع «لا يعدو كونه صندوقاً جديداً للمدارس الخاصة على غرار صندوق المهجرين ومجلس الجنوب وغيرهما». ورأى أن «مراهنة إدارات المدارس على الحصول على المساعدات بسهولة وبلا أي محاسبة أو تدقيق في موازناتها مبالغ فيها. أما الحديث عن حرية التعليم والعدالة والمساواة بين تلامذة القطاعين فهذا الأمر لا يتحقق، إلا بوجود تعليم رسمي متكافئ مع التعليم الخاص، وبالتالي يصبح التعليم الخاص خياراً غير ملزم ويستطيع ولي الأمر اختيار التعليم المناسب لأولاده».
رئيس رابطة المعلمين الرسميين في التعليم الأساسي الرسمي حسين جواد، من جهته، لفت الى أن «البطاقة التربوية وغيرها من مشاريع القوانين تعد من وراء المكاتب وتهبط على التعليم الرسمي فجأة بلا أي مناقشة مع مكوّنات هذا القطاع من مديرين ومعلمين وأهالٍ»، معرباً عن الخشية من أن يكون القانون الجديد «التفافاً على مشروع القانون الذي تقدّمت به رئيسة لجنة التربية النيابية بهية الحريري والذي رفضناه وسُحب من التداول، وكان يقضي بتحويل المنحة التعليمية التي يتقاضاها الموظف في القطاع العام عن ابنه مباشرة إلى المدارس وليس إلى ولي الأمر».
جواد استبعد أن يكون لقانون «الهوية» التربوية تأثير على المدرسة الرسمية لجهة تفريغها من التلامذة، «لكننا متأهّبون في كل وقت لمواجهة خصخصة التعليم خصوصاً أن إحدى الوصفات الجاهزة لصندوق النقد الدولي تصفية القطاع العام، والمدرسة الرسمية جزء من هذا القطاع».