عزّز الانتصار الأذربيجاني المدعوم من تركيا، موقع الأخيرة بالنسبة إلى كل من أرمينيا وروسيا
ولا شكّ في أن الانتصار الأذربيجاني المدعوم من تركيا، عزّز موقع الأخيرة بالنسبة إلى كل من أرمينيا وروسيا، في ظلّ وجود نقاط مراقبة روسية - تركية مشتركة داخل أذربيجان. من جهتها، نجحت موسكو في تحقيق مكاسب مهمّة في هذه الحرب، وهي إذ لم تستجب لمساعدة يريفان عسكرياً، على اعتبار أن باكو تحرّر أرضاً تتبع لها، ساهمت إلى حدّ كبير في تسهيل انتصار أذربيجان، ما نتج منه تعزيز للعلاقات بين البلدين. في الوقت نفسه، أنقذت روسيا حليفتها الأرمينية من هزيمة شاملة، بعدما حالت دون تقدّم الجيش الأذربيجاني للسيطرة على كامل قره باغ. وبهذا، حقّقت موسكو جملة مكاسب اقتصادية ودفاعية في البلدين، ونفوذاً عسكرياً بموجب رعايتها اتفاق الهدنة الذي نصَّ على انتشار قواتها لحماية الممرّ التركي وممرّ لاتشين. كما تخلّى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، عن عدائه لها، وإن كانت تأمل التخلّص منه نهائياً، لكنّ محاولة انقلابها عليه فشلت، حتّى إن هذا الأخير أظهر، في الانتخابات النيابية المبكرة في حزيران الماضي، أنه لا يزال الزعيم الأقوى في بلد منهك ومتهالك، بعدما أُعيد انتخابه بغالبية 56%. وقد يفهم ذلك على أنه إشارة إلى أن الشعب الأرميني تعب من الحروب، لذا جدّد لزعيم رأى فيه قناة صالحة ومناسبة لتطبيع أرمينيا علاقاتها مع الجوار الأذربيجاني والتركي. وعلى رغم إعادة انتخاب باشينيان، بيّنت الولايات المتحدة بصورة العاجزة، والمتواطئة مع أذربيجان على إلحاق الهزيمة بأرمينيا، ولا سيما أن باكو تمثّل أهميّة حيوية لمصالح واشنطن. وقد حاولت الإدارة الأميركية ترميم صورتها من خلال إقدام الرئيس جو بايدن على خطوة الاعتراف بـ«الإبادة الأرمينية» في 24 نيسان الماضي، فيما لم تجد فرنسا سبيلاً لدعم الأرمن سوى إرسال مساعدات إنسانية محدودة إلى هذا البلد، كما لا يمكن اعتبار إيران مرتاحة لنتائج الحرب، خاصّة في ما يتعلّق بتعزيز الحضور التركي في جنوب القوقاز.
إزاء ما تقدّم، تُعدّ أرمينيا الخاسر الأكبر في هذه الحرب. فإلى جانب خسارتها الأراضي التي استولت عليها بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، لم تتمكّن من الاحتفاظ سوى بنصف قره باغ. وأصبح واضحاً أن «قضية أرتساخ» (قره باغ) تلقّت ضربة موجعة، بعدما خسر الأرمن نصف هذه المنطقة لأذربيجان، ونصفها الثاني لمصلحة الروس. بعد عام على الحرب في جنوب القوقاز، يبدو أن الأمور لا تزال تدور في دائرة تطبيق اتفاق وقف إطلاق الحرب، مثل تبادل الأسرى وجثث القتلى وتثبيت الهدنة، كما لا يزال الممرّ التركي فكرةً لم تتحقّق. أما العلاقات السياسية ومسألة التطبيع، فلا تعرفان تقدُّماً فعليّاً وتنحصران في دائرة التمنيات. ولعلّ الجانبين الأذربيجاني والتركي لا يزالان يعيشان نشوة الانتصار، فيما لا تزال أرمينيا وقره باغ والقضية الأرمينية تحت وقع صدمة الهزيمة. وما لم تطرأ أيّ مفاجأة، فإن لملمة تداعيات الحرب ستبقى سائدة إلى حين الانتقال إلى ترتيب أوضاع المرحلة المقبلة.