كرة القدم في كفّة، وكأس العالم في كفّة أخرى. البطولة الأعرق والأهم على صعيد المنتخبات خطفت منذ إقامتها قلوب الجماهير التي تنتظر بشغف كل 4 سنوات لمشاهدة سحر «المونديال» عبر مواجهات أبرز المنتخبات عالمياً. لم تنشأ بطولة كأس العالم في سياقها التاريخي بهدف تعزيز الجانب الترفيهي للمشاهدين، بل هي تكوّنت للحؤول دون «انهيار» الرياضة. فبعد أن استبعدت الهيئة الأولمبية الدولية كرة القدم عام 1927 من دورة ألعاب لوس أنجلوس التالية في عام 1932 بسبب انعدام شعبيتها في الولايات المتحدة، قرّر رئيس الفيفا حينها، جول ريميه، إطلاق مسابقة كرة قدم دولية عام 1930 في الأوروغواي، على أن تحتفظ البطولة الجديدة بنمط ألعاب الأولمبياد المقام كل أربعة أعوام. ومع مرور الوقت، تطوّر قطاع كرة القدم وزادت نسبة المشاهدة إثر التقدّم التكنولوجي لترتفع بالتالي نسب الاستثمار في ظل اتساع نسبة المشاهدين حول العالم. هكذا، أصبحت بطولة كأس العالم بمثابة البقرة التي تدرّ الملايين على ملّاكها، وشهدت العديد من البلدان تنافسية شديدة لتنظيم الحدث عبر تخصيص حكوماتها مليارات الدولارات سعياً وراء المكاسب الدعائية التي يجلبها العرس الكروي الكبير.المال الوفير الذي تدرّه هذه البطولة جعل البعض يسعى لحصده بفترةٍ زمنية أقل، خاصةً في ظل الخسائر الفادحة التي تكبّدها قطاع كرة القدم جرّاء تداعيات فيروس كورونا. وبالنظر إلى تراجع العائدات، كثّف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حملته لتنظيم كأس العالم كل عامين من خلال حشد دعم من مشجّعي كرة القدم في جميع أنحاء العالم. جاءت الحملة على شكل استطلاع رأي عبر الإنترنت بتكليفٍ من الفيفا، وذلك بعد أن لاقى طرح الفكرة من قبل المدرب المخضرم آرسين فينغر استحسان وقبول أساطير اللعبة في اجتماعٍ أقيم في العاصمة القطرية الدوحة. عرَض فينغر، المدرّب السابق لنادي آرسنال والرئيس الحالي لقسم تطوير اللعبة في الفيفا، اقتراح تنظيم بطولة كأس العالم كل عامين بدلاً من أربعة أعوام، وذلك لإعطاء الجماهير مزيداً من المنتج الذي يرغبون فيه، ولكن وراء الأكمة ما وراءها. الهدف الظاهري هو إرضاء المشاهدين، أمّا الهدف الحقيقي فهو مضاعفة أموال الهيئة المنظّمة لكرة القدم العالمية.
الهدف الظاهري هو إرضاء المشاهدين، أمّا الهدف الحقيقي فهو مضاعفة أموال جميع المعنيين بتنظيم المونديال


وبعد إعطاء الطرح الضوء الأخضر للتصويت عليه في الجمعية العمومية للفيفا (كونغرس)، أصدرت منظمة كرة القدم العالمية نتائج دراسة استقصائية شملت 15000 شخص تُظهر اختلافات كبيرة بين ما يسمى «بالأسواق التقليدية وأسواق كرة القدم النامية»، فضلاً عن زيادة الحماس بين المشجّعين الأصغر سناً مقارنة بالمشجّعين الأكبر سناً. الفكرة لا تزال قيد الطرح ومن غير المرجّح أن تبصر النور، أقله في السنوات القليلة المقبلة نظراً إلى معارضة العديد من الاتحادات.

مقاومة «شرسة»
المعارض الرئيسي للفكرة هو «يويفا» أي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الذي يدير أشهر مسابقة بالنسبة إلى الأندية: دوري أبطال أوروبا. يرى القيّمون على الاتحاد الأوروبي بأنّ إقامة كأس العالم كل عامين سوف «تبتلع» الوقت المخصّص لكثير من مسابقات كرة القدم الكبيرة الأخرى، بما في ذلك دوري أبطال أوروبا وكأس أميركا الجنوبية إضافةً إلى كأس العالم للسيدات، كما سوف تسرق الاهتمام وعائدات البثّ من الأحداث الرياضية الأخرى مثل بطولتَي الكريكت والركبي (الفوتبول الأميركي)، دون إغفال تداخل التوقيت الجديد للمونديال مع الألعاب الأولمبية الصيفية.
في هذا الصدد، صرّح ألكسندر شيفيرين، رئيس اليويفا، قائلاً: «إن تحرك الفيفا من شأنه قتل كرة القدم. بمقدور أوروبا وأميركا الجنوبية توحيد قواهما لمقاطعة كأس العالم التي تُقام كل عامين». لكن، ورغم الغضب المستشري بين العديد من الجهات، قد لا تكون المعارضة كافية لإبطال المشروع، حيث إن القرار النهائي ليس في أيدي المشجعين أو اللاعبين أو الأندية، بل يتعيّن على كل بلد من البلدان الـ211 الأعضاء في الفيفا التصويت على الاقتراح. تشكل أوروبا وأميركا الجنوبية 65 من أصل 211 عضواً في الفيفا، أي أقل من الثلث الإجمالي المطلوب للحؤول دون تنفيذ أي اقتراح. وعلى الجهة المقابلة، يعوّل الفيفا على دعم أفريقيا وآسيا للمقترح الجديد، حيث سوف تحصل بلدان القارّتين السابقتَي الذكر على المزيد من الفرص للمشاركة في البطولة، كما أنها ستحصل على المزيد من الأموال نتيجة عقود الرعاية، وبالتالي لا تكون معتمدة بشكل شبه كامل على مساعدات الاتحاد الدولي للعبة كما هو الحال الآن. وانطلاقاً من هنا أعلن الفيفا أنه يعتزم عقد اجتماع قمة افتراضي في الثلاثين من الشهر الحالي للتشاور مع الاتحادات الأعضاء بشأن مشروعه المثير للجدل بإقامة كأس العالم كل سنتين عوضاً عن كل أربع سنوات.


من جهته، انتقد الاتحاد الألماني لكرة القدم خطط الفيفا لإقامة بطولة كأس العالم كل عامين في المستقبل وعبّر عن عدم سعادته بالإجراءات. وذكر الاتحاد الألماني في بيان أنه يقف بشكلٍ كامل مع الاتحاد الأوروبي الذي أبدى اعتراضاً كبيراً بشأن هذه الفكرة، ويرى أنه من غير المفهوم كيف اختارت الإدارة العليا للفيفا، على عكس مبادئ الحكم الرشيد، تقديم مقترح أساطير اللعبة ونشر أنباء الاجتماع لوسائل الإعلام بدلاً من استشارة أعضاء المجلس الخاص به أولاً. وحذّر الاتحاد الألماني من أن «تغيير الدورة الحالية لكأس العالم إلى عامين بدل أربعة، لن يكون ضربة كبيرة لكرة القدم في ألمانيا وأوروبا فحسب، ولكن عالمياً أيضاً».
تجدر الإشارة إلى تتويج منتخبات أوروبية بنسخ كأس العالم الأربع الماضية، كما أنها شغلت 13 من أصل 16 مركزاً في الدور نصف النهائي. أمّا المنتخبات الثلاثة الأخرى التي وصلت إلى دور نصف النهائي بين عامَي 2006 و2018، فقد كانت من أميركا الجنوبية.

ضغط على اللاعبين
يضع الإجراء المرتقب لاعبي كرة القدم تحت الضغط البدني والذهني، حيث تساهم إقامة المونديال كل عامين بتعزيز نسب الإصابة والإرهاق بسبب المباريات الإضافية، إلا أنها قد تكون فرصة للبعض لتحقيق المزيد من الألقاب. وقال نجم المنتخب البرازيلي السابق رونالدو إن أفضل لاعبي العالم سيرحبون بمزيد من الاحتمالات للفوز بالجوائز، حيث قال: «إذا سألت ميسي أو كريستيانو عما إذا كانا يرغبان في الحصول على المزيد من الفرص للفوز بكأس العالم، فأنا متأكد بأنّ الإجابة ستكون نعم».
هي معركة جديدة مفتوحة بين الاتحاد الدولي للعبة ومن يدعمه وبين آخرين يجدون أنفسهم متضرّرين من الأمر. الفيفا يتلطّى خلف الجمهور ليُخفي الجشع الكبير لحيتان الأموال. ويقول البعض في هذا الإطار إن لاعبي كرة القدم هم بشر في الدرجة الأولى، وهذا لا يعني بأنّ أجورهم «الخيالية» تجعلهم عرضة للاستغلال والاستهلاك غير المحتمليْن. الأجور المرتفعة لم تكن لتُدفع من الأساس لولا استفادة أصحاب الأندية بأضعاف المبالغ التي تُصرف على العقود. من الأمثلة التي تشهد على سوء استغلال اللاعبين هو ما حصل للاعب برشلونة بيدري (18 عاماً)، الذي لعب 72 مباراة في موسم واحد بين النادي والمنتخب الوطني والأولمبي حتى بداية شهر أغسطس/ آب. إقامة كأس العالم كل عامين ستساهم في زيادة عدد مباريات اللاعبين وهو ما يفوق طاقة البعض خاصةً كبار السن، لكنّ الجشع قد لا يصبّ إلا في مصلحة أصحاب المال والنفوذ. الأشهر المقبلة سوف تُعطي صورة أوضح مع استمرار المعركة.