ما بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي في اجتماعاتهما لتأليف الحكومة، يشبه ما كان بين عون والرئيس المكلّف السلف سعد الحريري، ويتناقض معه في الوقت نفسه. ما يختلف عليه الرئيسان الآن هو أسماء في حقائب، بعضها متطابق مع ما شاب علاقة عون بالحريري وخصوصاً حيال حقيبة الداخلية. إلا أن الجوهري في ما يميّز تجربة ميقاتي مع رئيس الجمهورية، أن أياً منهما لم يقل جهاراً أو سرّاً بأنّه لا يريد التعاون مع الآخر، أو لا يسلّم به شريكاً له في التأليف كما في المرحلة المقبلة، على طرف نقيض من الأشهر الثمانية في تجربة الرئيس المكلّف السلف. منذ اليوم الأول لتكليف 2020، كلّ من عون والحريري يريد أن ينتزع من الآخر ما يعرف أن ليس في وسعه إرغامه على التنازل عنه. منذ اليوم الأول لم يُرِد عون الحريري رئيساً مكلّفاً، مقدار ما تصرّف الرئيس المكلف السلف على أنه يريد أن يكون بمفرده على رأس الحكم بالحكومة التي يختارها هو، ويفرضها على رئيس للجمهورية تصوّر أنه في السنة السادسة من ولايته سيكون ضعيفاً متلاشياً.مع أنها المرة الأولى يختبر كل من عون وميقاتي الطرف الآخر من الموقع الذي هو عليه الآن، إلا أنها ليست المرة الأولى يكونان فيها وجهاً لوجه في حكومة واحدة، في ضوء تجربة حكومة 2011 - 2013. يستعيد الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية يقينهما بأنهما شريكان في تأليف الحكومة، وبأن الحكومة ستُؤلف حتماً. تالياً أكثر من سلفه، يقدّر ميقاتي قوة التوقيع الدستوري الذي يحمله رئيس الجمهورية كي تصدر مراسيم الحكومة التي يريد هو بالذات أن يترأسها. من ذلك مرونة التعامل في ما بينهما وتواصلهما الدوري، غير المشوب بأي قطيعة. ما أعاره الرئيس المكلف الحالي أهمية بالغة لا قِبَلَ له على تجاهلها هو أن التوقيع الدستوري للرئيس ملْكُ الرئيس، فيما طارت الأوهام بالرئيس المكلف السلف إلى حدّ الاعتقاد بأن حزب الله قادر - إذا كان يريد - على أن يفرض على عون توقيع ما لا يُرضيه تماماً.
حتى الاجتماع الحادي عشر بين عون وميقاتي، الثلاثاء الفائت، بدا الرئيسان على وشك إعلان تأليف الحكومة، بعدما وصلا إلى مرحلة إسقاط الأسماء في الحقائب المتفق عليها بتفاهمهما، وبلا عقبات مهمة. قبل موعد الاجتماع التالي، الثاني عشر الخميس، تبدّد كل ذلك التفاؤل. قيل إن الرئيسين عادا إلى الوراء، وتبادلا شروطاً جديدة، قبل أن يسارعا - واستباقاً للقائهما - إلى إشاعة مناخ إيجابي بتأكيدهما، كل منهما على حدة كأنه يتوجه إلى الآخر، أن تعاونهما مستمر وكذلك توصلهما إلى تأليف الحكومة. بعدما التقيا الخميس، لم يُفصَح عن سبب التبدّل الأول، ولا عن تبدّل المتبدَّل، وظل الغموض يقفز ما بينهما. في هذا اليوم، الفاصل ما بين إيجابيات الثلاثاء وسلبيات الخميس، طرأ أكثر من تطور. بعضه معلن والبعض الآخر مكتوم، قيل إنه وراء تغيّر الأمزجة.
هل أصبحت حقيبة الطاقة عند السنّة لإرضائهم؟


عُزي أحد أسبابها إلى الزيارة المفاجئة للسفيرة الأميركية دوروثي شيا لقصر بعبدا، مع أنها تحدّثت عن استعجالها تأليف الحكومة. قيل أيضاً إن الحريري وضع تحفظات عن أسماء مقترحة في الحكومة. قيل أيضاً وأيضاً إن رئيس مجلس النواب نبيه برّي غير راضٍ عن مسار التفاوض، مع أن البعض أشاع اعتقاداً بأنه عرّاب تكليف ميقاتي، مثلما كان عرّاب تكليف الحريري. وهو - كما الرئيس المكلف السلف - لم يسعه أن يرى الظروف التي أملت على الحريري الاعتذار إلا «عدواناً» عليه وعلى حليفه الرئيس السابق للحكومة. ليس سجال برّي ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في مجلس النواب البارحة بإزاء الاستقالة من البرلمان ومن الموقف من تأييد رفع الدعم أو الإبقاء عليه، إلا واحداً من الأعراض النموذجية للاشتباك الأصل بين عون وبرّي، كما العلاقة المتنافرة بين رئاستَي الجمهورية والبرلمان، المعبَّر عنها في الرسائل الدورية الموجهة إلى المجلس، كما في طريقة مقاربة هذا لها.
حتى اجتماع الخميس 19 آب، بقيت ثلاث نقاط عالقة بين الرئيسين تحتاج إلى مزيد من التفاهم عليها:
1 - نيابة رئاسة الحكومة التي طُرح لها اسمان هما النائب السابق مروان أبوفاضل والرئيس السابق لجمعية الصناعيين اللبنانيين جاك صراف الذي اصطدم بتحفّظ الرئيس المكلف عنه. كان متوقعاً أن يتسلم المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير جواب ميقاتي عن أيّ من الاسمين المقترَحين.
2 - وزارة الداخلية المستقرّة عند السنّة، بيد أنها اصطدمت بالأسماء المرشحة لها، وهي لأربعة ضباط في قوى الأمن الداخلي، ثلاثة منهم متقاعدون هم العمداء محمد الحسن ومروان زين وإبراهيم بصبوص، فيما رابعهم لا يزال في الخدمة العميد أحمد الحجار. لم يتحمس ميقاتي للحسن، ملاقياً موقف الحريري السلبي منه. كان عون ينتظر بدوره أحد الأسماء الثلاثة المتبقية للحقيبة.
3 - وزارة المال المحسومة لبرّي، إلا أنها كانت لا تزال عالقة عند موافقة عون على أحد اسمين. كلاهما لم يُرضه ولديه أكثر من علامة استفهام عليه: يُعتبر يوسف خليل مرشح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أكثر منه مرشح حركة أمل، ناهيك بأنه ساعده الأيمن الذي يضع - أو قد يضع - الحقيبة تحت تأثيره. أما الآخر فهو المستشار الاقتصادي في سفارة لبنان في واشنطن عبدالله نصرالدين القليل الخبرة، ناهيك بأنه موظف في الفئة الرابعة في سلم إدارته، ما يضعه في حقيبة حساسة. كلاهما يحظى بتأييد برّي.
باستثناء النقاط الثلاث العالقة هذه، بدا تأليف الحكومة على وشك إبصار النور قبل تبخّر الآمال تلك. سرعان ما تحدثت أوساط محيطة بالرئاسة عن موقف فاجأ عون عندما تبلّغ أنّ ميقاتي عدّل أسماء عشرة وزراء مسيحيين وأبدلهم بآخرين، لم يكونوا - تبعاً لما تناولته الأوساط هذه - في لائحة الأسماء التي ناقشها الرئيسان. من ثمّ رداً على كلام رئيس الجمهورية، قيل إنه طالب بالثلث+1. قبل أن تتسبب عاصفة التسريبات بتعطيل اجتماعهما الثاني عشر الخميس، تبادلا رسائل إيجابية في التمسك بكل ما اتفقا عليه.
في الاجتماع الثاني عشر اتفقا على وضع وزارة الطاقة في الحصة السنّية، بعدما قال التيار الوطني الحر إنه غير متحمّس للبقاء فيها، أضف أن الحقيبة هذه أضحت المشنقة التي يُعلق التيار ورئيسه على حبلها يومياً.