منذ مدة، يلوّح مسؤولون أوروبيون بالعقوبات على أطراف لبنانيين ربطاً بتعطيل تأليف الحكومة وإقرار الإصلاحات. آخر هذه «التهديدات» جاء على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان منذ 5 أيام. فقد أعلن الأخير غداة اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل أن ثمة «إجماعاً سياسياً أوروبياً على اتخاذ عقوبات ضد أطراف لبنانية قبل نهاية هذا الشهر»، وأن السلطات اللبنانية لم تستجب «لطلبنا منذ وقت طويل بتأليف الحكومة وبدء الإصلاحات». ليضيف بعدها إن «الاتحاد الأوروبي توصل الى توافق سياسي من أجل وضع إطار قانوني لاتخاذ العقوبات. هذا الإطار القانوني سيكون جاهزاً قبل الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت في 4 آب، وهو أداة ضغط على السلطات اللبنانية من أجل تأليف الحكومة وبدء مسار الإصلاح».حديث لو دريان وتلويحه بعقوبات، متذرعاً بإجماع أوروبي لم يكن دقيقاً، وخصوصاً لناحية أن اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي شهد معارضة لفرض عقوبات والتدخل بأمور دولة أجنبية. وأبرز المعارضين كان دولة المجر. وعلمت «الأخبار» أن وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو أبلغ لبنان رسمياً منذ بضعة أيام أن دولته ستضع فيتو على أي مسعى لفرض عقوبات أوروبية على لبنان أو على شخصيات أو قوى سياسية لبنانية، فيما يحتاج إقرار القانون الى إجماع من دول المجلس الأوروبي، وهو ما ليس متوفراً. وفيما تقف المجر كرأس حربة للمعارضة الأوروبية تجاه ما تسميه «عقوبات سياسية»، تنضمّ إليها كل من: إيطاليا، بلغاريا وبولندا. هذه الدول تتشارك في وجهة نظر واحدة تجاه العقوبات مختلفة عن الفريق الأوروبي المؤيد لفرض عقوبات والذي تتصدّره كل من: فرنسا وألمانيا وهولندا المتفقة بعضها مع بعض حيال النظرة الى الوضع اللبناني.
وتشير المصادر الى أن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية الأوروبيين تخلّلته مداخلة لوزير الخارجية الإيطالي الذي قال بوضوح إن الاتحاد ليس الولايات المتحدة من ناحية فرضه عقوبات سياسية ضد أفراد أو أحزاب، وإن إيطاليا ستعارض أي عقوبات من هذا النوع. فإذا ما أراد الاتحاد فرض عقوبات تجاه أي جهة، يفترض أن تكون موثقة بملف فساد صادر فيه حكم من المحكمة القضائية الأوروبية، وإلا لا مجال للبحث بالموضوع. الموقف الإيطالي كما الدول الأخرى (المجر، بلغاريا وبولندا)، سيحول دون حصول الإجماع على العقوبات التي باتت تستعمل كأداة للابتزاز، ولزيادة الضغط على بعض السياسيين.
حسم باسيل خياره بدعم التوجّه الروسي في المنطقة، بموازاة غضب فرنسي عليه وتهديد بالعقوبات


وتشير مصادر سياسية مطّلعة الى أن الفرنسيين، بشكل خاص، أصبحوا على يقين بأن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والفريق السياسي الذي يمثله، يقفون كعقبة أساسية تجاه طموحات باريس الاقتصادية في لبنان، وأن شريكهم الاقتصادي الرئيسي، سعد الحريري، قد سقط، بما يمثله من شراكة تاريخية ورثها من صداقة والده بجاك شيراك. لذلك يجهدون اليوم لفرض عقوبات على باسيل الذي سبق أن أدرِج على لائحة العقوبات الأميركية. لذلك، يبدو باسيل أكثر ارتياحاً من الفرنسيين لناحية أن عقوبات أوروبية إضافية لن تقدّم أو تؤخر في ما يجري، عدا عن أنه يشير في مجالسه الى أن فرنسا أسقطت فرصتها المتاحة بعد تفجير المرفأ ولم تعمل بشكل جدّي للتعاون في مساعدة لبنان، بل سعت الى ممارسة الابتزاز بدلاً من الحوار. هذا السلوك «العدائي»، على ما تشير المصادر، أدى الى حسم باسيل أمره بالسير مع المشاريع الروسية واقتناعه بها بعيداً عن التهديدات الفرنسية إما بالانصياع للأوامر وإما العقوبات.
على صعيد آخر، أبلغ وزير الخارجية المجري السلطات اللبنانية أن المجر «ستقف ضدّ المساعي لفرض عقوبات على حزب الله والسعي لإدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية في الاتحاد، وذلك لكون حزب الله يمثل شريحة من الشعب اللبناني». يأتي هذا الموقف من إحدى الدول الأوروبية التي يحكمها اليمين، وهو موقف «ينبع من نظرة جديدة لمفهوم التكفير والإرهاب والصراع في المنطقة، بحيث صارت الصورة أوضح، والجهات التي تعزز التوجه التكفيري وتغذيه معروفة»، بحسب مصادر على صلة بالخارجية الهنغارية.
موقف المجر ليس جديداً، بل سبق أن ردّده سيارتو مرات عدة، وآخرها خلال زيارته لبيروت في نيسان الماضي. يومها أكدّ الأخير لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن المجر تقف الى جانبه وإلى جانب لبنان معارضاً أي تدخل خارجي في شأن داخلي كتأليف الحكومة. وقال إن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يومها الذي تناول لبنان أتى على ذكر العقوبات، لافتاً الى عدم صحة «وضع العقوبات على أشخاص منتخبين من قبل الشعب اللبناني بديموقراطية وبشكل قانوني، ولن ندعم ذلك أبداً. لن نقبل أبداً بأن تفرض عقوبات على أكبر حزب لبناني يمثّل المسيحيين، وسنتحدث بذلك دائماً لتكون المقاربة متوازنة وعادلة (..) لبنان بحاجة أكثر الى مساعدة حقيقية بدلاً من التلويح بعقوبات وتدخل خارجي».