بلغت مناكفات الرياض وأبو ظبي مرحلةً سيُبنى على ما بعدها، إذ تشكّل، على ما يظهر، بدايةَ أزمة يُحتمل أن تمتدّ، بعدما طفت على السطح خلافات ليست المعركة القائمة على حصص إنتاج النفط، إلّا إحدى وجوهها. وفي ظلّ غياب أيّ بوادر للتوافق بين الحليفتَين، اصطدم اتفاق «أوبك+» لخفض الإنتاج، والذي اقتُرح تمديده حتى نهاية العام المقبل، برفض الإمارات، التي اشترطت للموافقة عليه، زيادة حصّتها السوقية بـ600 ألف برميل يومياً. احتمال لا يبدو وارداً تحقُّقه، لا سيما أنه سيفتح الباب أمام مطالبات مماثلة من جانب دول أخرى، ما من شأنه أن يؤدّي إلى تطيير الاتفاق، وتحرير الإنتاج إلى حدوده القصوى
أكثر من أيّ وقت مضى، لم يعُد ممكناً كبح الخلافات السعودية - الإماراتية المتفاقمة، والتي برزت إحدى تجلّياتها ضمن تحالف «أوبك+»، في ظلّ غياب أرضية للتوافق بين الحليفتَيْن اللدودتَيْن على مستقبل اتفاق خفض إنتاج النفط المعمول به منذ ما يزيد على سنة، بدعوى الحفاظ على استقرار السوق العالمية المنهكة بفعل التداعيات التي أرختها الأزمة الوبائية. وما كان يُرضي أبو ظبي في ما مضى، لم يعُد يتناسب مع الدور الذي تبتغيه حليفة إسرائيل الأولى في المنطقة، والتي ارتأت مناسباً التمرُّد على «الإجماع النفطي»، للمطالبة بحصة «عادلة» تقتضي زيادة حصتها السوقية بنحو 600 ألف برميل يومياً. وفي ضوء تشبّث الإمارات بموقفها ورفض أعضاء التحالف منحَ استثناءات يُحتمل أن تؤدّي إلى فرط الاتفاق وإطلاق حرب أسعار جديدة، وما يمكن أن يترافق مع ذلك من فوضى تبدو المجموعة - والعالم - في غنىً عنها، أُلغي الاجتماع الوزاري للأعضاء الـ23 الذي كان مقرّراً عقده يوم أمس، من دون أن يُحدَّد موعد جديد له.
وجاء إلغاء الاجتماع بعدما أخفقت دول «أوبك+»، الجمعة، في التوصّل إلى اتفاق لتحديد حصص الإنتاج اعتباراً من الشهر المقبل، وغداة رفض الإمارات خطّة يجري التفاوض في شأنها، وتنصّ على زيادة إنتاج النفط بـ400 ألف برميل يومياً في الشهر ابتداءً من آب وحتى كانون الأول المقبل، بحيث تصل كميّة النفط الإضافية المطروحة في السوق، بحلول نهاية السنة، إلى مليونَي برميل في اليوم، وهو ما يتماشى مع الاستراتيجية العامة التي تتبعها «أوبك+» منذ أيار، والقاضية بزيادة الإنتاج تدريجاً، بعد خفضه بشكل حادّ العام الماضي. وهذه الاستراتيجية حقّقت بعض النجاح، في ظلّ انتعاش أسعار النفط التي بلغت حوالى 75 دولاراً لبرميل الخامَيْن المرجعيَّيْن «برنت» و«غرب تكساس الوسيط»، أي بزيادة 50 في المئة منذ مطلع العام، وهو مستوى مماثل لما كانت عليه في تشرين الأول من عام 2018. ولكن هذه الأسعار المرتفعة تثير تذمّراً من جانب كبار مستهلكي النفط الخام، مثل الهند، فضلاً عن أنها لا تناسب صناعة النفط الأميركية، إذ تفضّل الولايات المتحدة أسعاراً بحدود 60 دولاراً للبرميل.
جاء إلغاء الاجتماع بعدما أخفقت دول «أوبك+»، الجمعة، في التوصّل إلى اتفاق لتحديد حصص الإنتاج اعتباراً من الشهر المقبل


وبالعودة إلى الاتفاق، تعهّدت دول التحالف، في نيسان 2020، عندما تراجعت أسعار الخام إلى مستوياتها التاريخية ووصلت إلى -37 دولاراً للخام الأميركي، على وقع الموجة الأولى من الوباء، باقتطاع 9.7 مليون برميل في اليوم من إنتاجها، على أن تعاود ضخّها تدريجاً خلال الفترة الممتدّة حتى نهاية نيسان عام 2022. غير أن هذه المهلة تبدو محدودة، في ضوء الوتيرة الحالية لزيادة الإنتاج، خصوصاً أن دول «أوبك+» لا تزال تقتطع 5.8 مليون برميل في اليوم من إنتاجها، وهو ما دفع إلى طرح تمديد الاتفاق المطبّق حالياً حتى كانون الأول 2022، ليصطدم بمعارضة شرسة من جانب أبو ظبي التي اعتبرته «غير عادل»، مطالبةً بمراجعة نِسَب الإنتاج للقبول به. وفي هذا الإطار، قال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، في مقابلة عبر قناة «سكاي نيوز العربية»، إن «مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد نيسان، وهذا حقّنا السيادي أن نطلب المعاملة بالمثل مع بقية الدول». وتابع: «مسألة دخولنا أو إجبارنا على الدخول في اتفاق جديد وربطه بزيادة الإنتاج، لا نراها طلباً منطقياً حتى لو اتّفقت عليه كل الدول»، مضيفاً: «لا يُعقل أن نقبل باستمرار الظلم والتضحية أكثر ممّا صبرنا وضحّينا». وتصرّ أبو ظبي على رفع خطّ الإنتاج الأساسي بمقدار 600 ألف برميل يومياً إلى 3.8 مليون برميل، بحجّة أن النسبة الحالية والمحدَّدة استناداً إلى ما ضخّته في تشرين الأول 2018، لا تعكس طاقتها الإنتاجية الكاملة. إلّا أن مصادر في «أوبك+»، قالت لوكالة «ستاندرد آند بورز»، إن موقف الإمارات جاء مفاجئاً، لا سيما أنها لم تُثر أبداً مخاوف في شأن خطّ الأساس (المرجعية التي تحسب على أساسها تخفيضات الإنتاج) في أيّ اجتماع سابق، وهو ما يثير قلق شركاء المجموعة من أن طلب أبو ظبي قد يفتح الباب أمام الأعضاء الآخرين بحثاً عن حصص أعلى. وتقول أبو ظبي، التي استثمرت مليارات الدولارات لزيادة طاقتها الإنتاجية، إنه جرى تحديد خطّ الأساس لإنتاجها عند مستوى منخفض جداً في الاتفاق الأصلي لخفض الإمدادات، وإنها لم تكن الوحيدة التي طالبت بخطّ أساس أعلى، لأن دولاً أخرى من مثل آذربيجان والكويت وكازاخستان ونيجيريا طلبت وتلقّت بالفعل أسساً جديدة منذ التوصّل إلى اتفاق خفض الإنتاج.
وهذا الخلاف هو الذي أفشل الجولة الأولى من الاجتماعات الخميس الماضي، ثم اجتماع الجمعة، وصولاً إلى إلغاء اجتماع أمس. وقال وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، في مقابلة عبر قناة «العربية»، أوّل من أمس، إن هناك «توافقاً» ضمن مجموعة «أوبك+»، مستدركاً: «التوافق قائم وموجود، فيما عدا دولة واحدة». ودعا إلى «شيء من التنازل وشيء من العقلانية» للتوصل إلى اتفاق، معتبراً أن «التمديد هو الأصل وليس الفرع»، ومؤكداً أنه لا يمكن لأيّ دولة اتخاذ مستوى إنتاجها من النفط في شهر واحد كمرجعية، وإن هناك آلية يمكن للدول الاعتراض من خلالها. من جهتها، رأت حليمة كروفت، المحلّلة لدى شركة «آر بي سي»، أن «احتمال غياب اتفاق، بل حتى خروج الإمارات من أوبك، ازداد بشكل كبير»، إذ يبدو من الصعب على التحالف أن يقبل بطلب أبو ظبي من غير أن يفتح الباب للفوضى. وبحسب المحلّل لدى «سيب»، بيارن شيلدروب، فإن السوق متخوّفة حالياً من عدة سيناريوات، أبرزها: يتمثّل «بعدم التوصل إلى اتفاق جديد إطلاقاً مع عدم وجود زيادة في الإنتاج اعتباراً من آب وارتفاع الأسعار بشكل كبير نتيجة ذلك»، أو انهيار التعاون تماماً ضمن المجموعة «ما يؤدّي إلى تحرير الإنتاج بالكامل، وتالياً انهيار أسعار النفط».