الخرطوم | يبدو أن الحلقة بدأت تضيق على قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في الداخل السوداني، بهدف إجباره على دمج قواته في جيش قومي موحّد، وهو ما يرفضه دقلو، حتى الآن، جملةً وتفصيلاً. هذه «المعضلة» دفعت الرجل إلى البحث عن حليف خارجي يتقوّى به على الداخل، ويساعده في تمرير أجندته التي تمكّنه من الاحتفاظ بقواته، فلجأ، هذه المرّة، إلى إسرائيل، بعدما بادر إلى التقارب مع تركيا وروسيا، من دون أن يتمكّن، على ما يظهر، من حشد دعم هاتين الدولتين، وضمان وقوفهما إلى جانبه. وكان موقع «أكسيوس» الأميركي كشف أن طائرة أميركية هبطت، الأسبوع الماضي، في الخرطوم، وهي تحمل على متنها عملاء من جهاز «الموساد» الإسرائيلي، قدموا إلى البلد المطبِّع حديثاً، للقاء قائد «الدعم السريع» بصورة سرّية. لكن الاجتماع لم يرضِ مسؤولين سودانيين اعتبروه بمثابة محاولة لتقويض سلطة رئيس «مجلس السيادة»، عبد الفتاح البرهان، الذي ابتدر الحوار مع إسرائيل، قبل نحو عامين، عبر لقاء جمعه إلى رئيس الحكومة آنذاك، بنيامين نتنياهو، في العاصمة الأوغندية كمبالا. وعلى ما بدا، أرادت تل أبيب استخدام «كارت» التواصل مع حميدتي كورقة ضغط على المكونَيْن المدني والعسكري لاستكمال ملفّ التطبيع، ودفع الأطراف السودانيين إلى التعجيل في تطبيق بنوده.
يعتقد مراقبون أن التواصل بين قائد «الدعم السريع» و«الموساد» تمّ بمبادرة شخصية من حميدتي

وفي هذا الإطار، يعتقد بعض المراقبين أن التواصل بين قائد ميليشيا «الدعم السريع» و«الموساد»، تمّ بمبادرة شخصية من حميدتي، فيما يستبعد هؤلاء أن يكون للإمارات، الحليف الإسرائيلي في المنطقة، دور في عملية التواصل، خصوصاً بعد التسريبات التي تحدّثت عن «خلافات» مالية نشبت بين قائد «الدعم السريع» وأبو ظبي التي أخرجت، من جهتها، كشْفَ حساب لكلّ المعاملات والصفقات - عسكرية كانت أم تجارية - التي تجمع الطرفين، والتي خرج حميدتي على إثرها صفر اليدين. غير أن المحلّل السياسي، حاج حمد، يرى أن التقارب بين «الدعم السريع» و«الموساد» ليس وليد اللحظة؛ فمنذ أن حاربت هذه الميليشيا حركة «أنصار الله» في اليمن، ووقفت ضدّ المصالح الإيرانية في المنطقة، تقاطعت مصالحها، تلقائياً، مع مصالح جهاز الاستخبارات الخارجي الإسرائيلي، إذ إن «طريقة عمل هذا الجهاز، وكعقل مدبّر للمصالح الإسرائيلية العليا، والقائمة على تفكيك الدول، لا تلتقي إلّا على تنفيذ أجندة إسرائيل» . ويتابع: «الموساد حليف للاستخبارات الأميركية، إلّا أنه يعمل باستقلالية، ولا سيما في تفكيك البلدان العربية، بحيث لا تصبح القضية الفلسطينية قضيّة العرب الأولى». ويقول حمد إن رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، أرسل إشارة واضحة في مبادرته الأخيرة، إلى وجود لوبي قوي يعمل في السياسية الخارجية ضدّ المصالح الأوروبية والأمم المتحدة التي يتبنّاها هو شخصياً. وبذلك، «نقل حمدوك العلاقة بين السودان وأميركا والأجهزة الأمنية إلى محور الكونغرس والاتحاد الأوروبي».
وبدا أن حميدتي في حالة من التوهان، خصوصاً بعد علوّ الأصوات التي تطالب بدمج قوات «الدعم السريع» في الجيش، ووضع هذا الأمر بمثابة الشرط الرئيس لانضمام أكبر حركتَين لم توقّعا بعد على اتفاق السلام مع الخرطوم (حركة عبد العزيز الحلو، وعبد الواحد محمد نور). وتشدّد الفصائل الدارفورية التي وقّعت على الاتفاق مع الحكومة، على دمج جميع القوات في الجيش الوطني لاستكمال عملية السلام وملف الترتيبات الأمنية. لكنّ محللين يرَوْن أن محمد حمدان دقلو سيتمسّك بقواته، ولن يقبل بدمجها في الجيش بسهولة، لأن التخلّي عن هذا الامتياز ربّما يقوده إلى أن يُقدَّم للمحاكمة في جريمة فضّ الاعتصام من أمام مباني القيادة العامة في 3 تموز 2019. ويرى مراقبون أن حميدتي يسعى إلى إثارة الفتن في الداخل، لتبقى البلاد في حالة من عدم الاستقرار الذي يقود إلى انفلات أمني واسع، ولا سيما أن الاستقرار ووصول ملف السلام إلى نهاياته، يعنيان استكمال تطبيق البنود كافة، وعلى رأسها بند التريبات الأمنية ودمج القوات. وبدا لافتاً ظهور نائب رئيس «مجلس السيادة»، حميدتي، إلى جانب رئيس المجلس، البرهان، في تجمُّع في مباني القيادة العامة للجيش، ما يشي بأن العلاقة بين الرجلين عادت إلى مجاريها، بعدما شهدت، في الأشهر الأخيرة، حالةً من الجفاء. وبحسب مصادر مطلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، سعى قائد «الدعم السريع» إلى «رأب الصدع مع الجيش بعد شعوره بالخطر»، مضيفةً أن «البرهان وقيادات الجيش يتعاملون بحنكة مع قضية الدعم السريع خوفاً من أن يؤدّي الاحتكاك بين الطرفين إلى مواجهات تسفر عن سقوط ضحايا».