قبل أسابيع، طالبت وكالة «بلومبرغ»، في إحدى افتتاحيّاتها، إدارة الرئيس جو بايدن بالعمل على إبرام معاهدة، وليس صفقة نووية مع إيران. الوكالة استندت، في مقاربتها، إلى التسريبات الأخيرة التي نقلت عن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إقراره بأنه كان «ساذجاً» في افتراض أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، يمكنه تكريس الاتفاق من دون موافقة من الكونغرس. «كان ظريف على حق»، عقّبت الوكالة، معتبرة أن «غياب أيّ موافقة من الكونغرس بشأن الاتفاقية سهّل على خليفة أوباما، دونالد ترامب، الابتعاد عنها ببساطة».
يسعى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى الضغط من أجل استخدام فيتو على أيّ صفقة مستقبلية بين واشنطن وطهران(أ ف ب )

«بلومبرغ» لا ترى أن المفاوضين يرتكبون، حالياً، الخطأ نفسه فحسب، بل تذهب إلى حدّ اعتبار أن بايدن، المتعطّش لإحياء الصفقة، لا يبذل جهداً لجذب الكونغرس إلى صفّه. وما يمكن إضافته إلى كلامها، هو أن الكونغرس قد يكون، أيضاً، العقبة الأكثر وضوحاً أمام إقناع صانعي القرار الإيرانيين بأن واشنطن سترفع العقوبات، كما وعدت، وخصوصاً أنها أصبحت مدمنة على هذا النهج، إلى درجة أنها لا تعرف كيف تتوقّف عنه بمجرّد أن يلتزم الطرف الآخر بشروط الاتفاقات التي تمّ التفاوض عليها. وفيما «يعتبر الإيرانيون أنفسهم مفاوضين عظماء يمكنهم تحديد ما إذا كان نظراؤهم جديرين بالثقة»، على حدّ تعبير جورج بيركوفيتش، وميغان دوبوا، في معهد «كارنيغي»، فقد «أظهرت الولايات المتحدة، مراراً وتكراراً، أنها غير موثوقة، وغير قادرة على الحفاظ على الصفقات مع الخصوم».
ولكن هل صحيح أن معاهدة وفق المادة الثانية من الدستور الأميركي، هي الضمانة الأساسية للطرفَين؟ يندرج النص على المعاهدة تحت المادة الثانية، القسم 2، البند 2 من دستور الولايات المتحدة، وهو يخوّل الرئيس الأميركي اقتراح الاتفاقات والتفاوض عليها بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، لتصبح، عند تلقّي مشورة وموافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، ملزمة بقوة القانون الفدرالي. خلال عهد باراك أوباما، لم يقدّم الرئيس الصفقة للكونغرس على أساس أنها معاهدة. ولكن في الوقت ذاته، ناقش الكونغرس الاتفاق النووي، وصوّت عليه. حينها، جرى التوصّل بين النواب وبين الإدارة إلى حلّ مبتكر: السماح بمعارضة الصفقة، من دون السماح بعرقلة دخولها حيّز التنفيذ. هكذا، أُقرّ قانون مراجعة الاتفاقية النووية الإيرانية، بـ 98 صوتاً مقابل 1 في مجلس الشيوخ، وبـ 400 صوت مقابل 25 في مجلس النواب. وكانت قد تمّت صياغة مشروع القانون من قِبَل السيناتور الجمهوري، بوب كوركر، ليعمل عليه أوباما مع الكونغرس حتّى يصبح أكثر قبولاً، بعدما هدّد باستخدام «الفيتو» ضدّ تشريعٍ سابق. سمح هذا القانون بفترة مراجعة للكونغرس للقرار التنفيذي الذي اتخذه أوباما بشأن الاتفاق النووي، كما سمح له بعرقلته، من خلال إسقاطه بالتصويت. لكن تصويتاً إجرائياً في مجلس الشيوخ فشل في الحصول على 60 صوتاً لازمة لتجاوز «فيتو» الرئيس، لتدخل الصفقة الإيرانية، في نهاية المطاف، حيّز التنفيذ.
يرى البعض أن بايدن المتعطّش لإحياء الصفقة لا يبذل جهداً لجذب الكونغرس إلى صفّه


من هنا، تتّضح صعوبة تحويل الاتفاق النووي بين إدارة بايدن وإيران، إلى معاهدة. إذ إن الأغلبية الضئيلة التي حازها الديموقراطيون في مجلس الشيوخ، لم تُخوّل الرئيس تطبيق جزء كبير من خططه على مستوى السياسة الداخلية، فكيف إذا ما تعلّق الأمر بالسياسة الخارجية، ومن ضمنها الاتفاق النووي، الذي سيواجَه بمعارضة جمهورية، ورفضٍ من عدد من الديموقراطيين؟ في الواقع، يسعى أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري، حالياً، إلى الضغط من أجل استخدام «فيتو» على أيّ صفقة مستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران، وفق ما نقله موقع «بوليتيكو». وكما خلال عهد أوباما، قدّمت هذه المجموعة مشروع قانون يطلب من بايدن الحصول على موافقة الكونغرس على أيّ اتفاق جديد مع إيران، للحدّ من برنامجها النووي. وسيمنح مشروع القانون هذا مجلس الشيوخ حقّ النقض ضدّ أيّ محاولة من جانب إدارة بايدن للعودة إلى اتفاق عام 2015، من خلال اعتباره معاهدة تتطلّب موافقة المجلس، الأمر الذي قد يواجَه برفضٍ من قِبَل بايدن، الذي سيفضّل اتّباع طريقة أوباما في اللجوء إلى القرار التنفيذي.
لكن، حتى لو تمّ التوصّل إلى معاهدة مبنيّة على المادة الثانية، هل سيكون ذلك كفيلاً بحماية الصفقة النووية؟ تشير السوابق التاريخية إلى أن بإمكان الرئيس، أيضاً، الانسحاب من معاهدة ملزمة متى ارتأى أنها غير مناسبة. يعدّد أندرو وداليفيدج، في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، أمثلة عدّة في هذا الإطار، من بينها إعلان الرئيس جيمي كارتر، في عام 1978، أن الولايات المتحدة ستنسحب من «معاهدة التعاون المتبادل» مع تايوان، التي أبرمت عام 1954، لاغياً بذلك اتفاقاً كان قد جرى تصديقه. باتخاذه قرار الانسحاب، وطّد كارتر علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، مستكملاً عملية كانت قد بدأت مع زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون الشهيرة لبكين. الأمر ذاته حصل في كانون الأول 2001، عندما أعلم الرئيس جورج بوش الابن، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الولايات المتحدة ستنسحب من «معاهدة الصواريخ المضادّة للباليستية»، التي جرى توقيعها عام 1972، بدافع من اعتبارات داخلية حملت إدارة بوش على إعادة تطبيق برنامج الدفاع الصاروخي الذي حظرته المعاهدة.
وربطاً بقضية كارتر، صوّت مجلس الشيوخ بالاعتراض على العمل الذي أقدم عليه الرئيس. ولكن في حالة قرار بوش، كما يقول السيناتور روس فينغولد، لم يقم المجلس بأيّ عمل. وفي حالة تايوان، كان الخصم الرئيسيّ لكارتر السيناتور الجمهوري، باري غولدووتر، الذي جادل بأن الرئيس قد وضع «سابقة خطيرة عبر اغتصاب السلطة التنفيذية لسلطات الكونغرس التاريخية والدستورية». يومها، وافق قاضي محكمة المقاطعة على ذلك، إلّا أن دائرة العاصمة لم تؤيّده، معتبرة أن الرئيس يمكنه أن يقرّر ما إذا كان سيمضي قدماً في المعاهدة، حتى بعد التصديق عليها. بعدها، انتقلت المسألة إلى المحكمة العليا، التي رفضت التعليق من الأساس، معتبرةً أن المسألة سياسية وتتجاوز قدرتها.



واشنطن تستعدّ لرفع بعض العقوبات
أعلنت إيران، أمس، أنّ الولايات المتحدة وافقت، خلال محادثات إحياء الاتفاق النووي، على رفع كلّ العقوبات المتصلة بقطاعَي النفط والشحن المفروضة على طهران، وشطب أسماء بعض الشخصيات البارزة من القائمة السوداء. وفي هذا الإطار، نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن محمود واعظي، رئيس مكتب الرئيس حسن روحاني، قوله: «تمّ التوصّل إلى اتفاق على رفع كلّ عقوبات التأمين والنفط والشحن» التي فرضت إبّان عهد الإدارة السابقة. وأضاف: «سيتمّ رفع حوالى 1040 من العقوبات... كما تمّ الاتفاق على رفع بعض العقوبات على أفراد وأعضاء من الدائرة المقرّبة من المرشد الأعلى».
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، قد صرّح، الأحد، بأنه لا تزال هناك «مسافة كبيرة يتعيّن قطعها» في ما يتعلّق بالعقوبات والالتزامات الإيرانية. كذلك ذكر مسؤولون غربيون وإيرانيون آخرون أن المحادثات لا تزال بعيدة كلّ البعد عن الانتهاء. لكن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، اعتبر، أمس، أن هناك «فرصاً جيّدة» للتوصّل في «مستقبل منظور»، إلى اتفاق في شأن النووي الإيراني، على رغم إقراره بأن «المفاوضات في فيينا ليست سهلة»، مشيراً إلى وجود «عدّة قضايا تقنية» تحتاج إلى الحل.
(الأخبار)