الجزائر | بعد نحو 3 أسابيع من الحملة الانتخابية، حانت ساعة الحقيقة بالنسبة إلى المرشّحين الذين اختاروا دخول غمار المنافسة على مقاعد «المجلس الشعبي الوطني» لتمثيل 58 ولاية في الجزائر. وتتسابق في هذه الانتخابات 1483 قائمة، منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة لمترشّحين أحرار، للوصول إلى البرلمان الذي يضمّ 407 مقاعد. أمّا على مستوى الناخبين، فسيكون نحو 24 مليون مواطن مسجّلين في القوائم، مدعوّين للإدلاء بأصواتهم في أكثر من 60 ألف مركز تصويت داخل البلاد وخارجها. وتحرص السلطة في الجزائر على إظهار أن هذه الانتخابات مختلفة عن سابقاتها، في محاولة لاسترداد ثقة الجزائريين بصناديق الاقتراع، في ظلّ مخاوف من استمرار شبح المقاطعة الذي سجّل أرقاماً قياسية في استفتاء الدستور الأخير قبل نحو ستة أشهر. كما يتمّ تقديم هذا الاقتراع على أنه سيكون بعيداً تماماً عن أيدي الإدارة، بعد إنشاء سلطة مستقلّة تشرف على العملية من بدايتها إلى نهايتها، وأنه يجري في ظلّ قانون انتخاب جديد يجعل من الصعب على المرشّحين استعمال المال للوصول إلى البرلمان كما كان يحدث في السابق، فضلاً عن كون البرلمان سيُنتخب هذه المرّة في إطار الدستور الجديد الذي يعطي إمكانية قيادة الحكومة لأغلبية برلمانية. وهي معطيات بقدر ما يراها المنخرطون في العملية الانتخابية إيجابية، بقدر ما يعتقد المقاطعون أنها لن تُغيّر من واقع الأمر شيئاً.وفي محاولة لحثّ الجزائريين على التصويت، حرص الرئيس عبد المجيد تبون على الذهاب بنفسه، أوّل من أمس، إلى مقرّ السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات، حيث أدلى بتصريحات مفادها أن سلطات البلاد ستقبل بأيّ نتيجة يفرزها الصندوق. وأشار تبون إلى أن التحضيرات لهذه الانتخابات تتمّ «بنزاهة وصرامة كبيرتَين» على مستوى جميع الولايات، مشدّداً على أن «لكلّ صوت قيمته». وأكثر ما لفت في تصريحات الرئيس الجزائري، أنه قال إن الغشّ في الانتخابات كان من سلوكيات «الجاهلية»، وإن «الكوطة» لا وجود لها، والصندوق «وحده» سيكون الفاصل بين المترشّحين. ويقصد تبون بـ»الجاهلية»، على الأرجح، فترة سلفه عبد العزيز بوتفليقة، والتي أصبح الكلّ يتحدث عن أن الانتخابات فيها كانت مزوّرة، وتُوزّع فيها المقاعد على الأحزاب بـ»الكوطة»، أي حسب الأهواء. لكن التزوير في الجزائر، وفق مراقبين، يمتدّ إلى ما قبل مجيء بوتفليقة، حيث جرت أوّل انتخابات تشريعية سنة 1997، وظهر فيها بشكل مفاجئ حزب «التجمّع الوطني الديموقراطي» الذي فاز بأغلبية المقاعد، ما اعتُبر حينها فضيحة كبرى، بعد انتشار صور التزوير والإقرار به حتى من مسؤولي هذا الحزب في ذلك الوقت، بحجّة إنقاذ البلاد.
غير أن الرافضين للانتخابات لا يوافقون تماماً السلطة الحالية على تبدّل الأوضاع، بل يرون عكس ذلك، انحدارها نحو الأسوأ. وفي هذا السياق، وصف بيان لشخصيات سياسية مقاطعة، الظروف المحيطة بإجراء الانتخابات التشريعية، بالمخيفة. واعتبروا أن الجزائر تشهد تحوّلاً خطيراً في تعامل النظام، حيث تصاعدت، حسبهم، بشكل مخيف، حملة القمع والاعتقالات ضدّ المناضلين والنشطاء، والتي مسّت كلّ الشرائح والتيّارات. أمّا هذه الانتخابات، فهي لا تُحقّق، وفق منظورهم، التغيير الذي تهدف إليه الثورة السلمية، لأن المسار المفضي إليها «رفضه الجزائريون»، كما أن الظروف الحالية التي تعيش فيها الجزائر حالة طوارئ غير معلَنة، وحصاراً خانقاً للحرّيات لكلّ الساحة العمومية، ومنعاً بالقوة للتظاهرات السلمية، لا تسمح حسبهم بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة. وقبل يوم من التصويت، ذكر محامون وحقوقيون أنه جرى توقيف الناشط السياسي البارز في الحراك كريم طابو، والصحافيَّين إحسان القاضي وخالد درارني، لأسباب لا تزال مجهولة حتى الآن.
طمأن تبون القلقين إلى أن الإسلاميين في الجزائر لا يشبهون غيرهم في باقي الدول العربية


ومهما كان الأمر، فإن كلّ المؤشرات تؤكد أن البرلمان المقبل أصبح أمراً واقعاً، ويجري التفكير حالياً في الأغلبية التي سيفرزها وتشكيلة الحكومة التي قد تنبثق عنه. وفي هذا الصدد، يرى كثيرون احتمال فوز الإسلاميين بالأغلبية، كونهم الأكثر حضوراً في الحملة الانتخابية. وهؤلاء يدخلون بأربعة أحزاب متشابهة أيديولوجياً، لكن مواقفها من السلطة متباينة، وأبرزها «حركة مجتمع السلم» و»حركة البناء» و»جبهة العدالة والتنمية». وأثارت إمكانية فوز الإسلاميين مخاوف لدى البعض من عودة الصراع الأيديولوجي الذي ساد الجزائر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لكن الرئيس تبون سارع إلى طمأنة الصحافة الأجنبية التي طرحت عليه هذه الأسئلة، بالقول إن الإسلاميين في الجزائر لا يشبهون غيرهم في باقي الدول العربية، وهم يؤمنون بالعمل في إطار القانون والدستور.
ويبدو من خلال تركيبة المشاركين في الانتخابات، أن الرئيس تبون لن يكون من الصعب عليه الحصول على أغلبية رئاسية، أو على الأقلّ إنشاء حكومة تضمّ طيفاً واسعاً من الأحزاب المُشكّلة للبرلمان والأحرار. ويعود هذا الأمر إلى كون معظم المشاركين يملكون نظرة إيجابية عن الرئيس وإصلاحاته، وتجنّبوا توجيه أيّ انتقاد له في الحملة الانتخابية، كما عبّر بعضهم صراحة عن رغبته في أن يكون في الحكومة بعد انتخاب البرلمان. أمّا «حركة مجتمع السلم»، فتؤكد أنها حريصة على التوافق وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتقول إنها ترفض تشكيل الحكومة وحدها حتى وإن حصلت على الأغلبية المطلقة. ويضع الدستور الجديد في الجزائر، الرئيس بين خيارين، بناءً على نتيجة الانتخابات التشريعية: إمّا التعايش مع أغلبية برلمانية هي مَن تفرض رئيس الحكومة، أو العمل مع أغلبية رئاسية تعطيه الحق في أن يعيّن هو رئيس الحكومة في إطار البرنامج الانتخابي الذي جاء به الرئيس. لكن صلاحيات الرئيس في الدستور، بغضّ النظر عن هذا التفصيل الدستوري، تبقى واسعة، وبإمكانه أن يحلّ البرلمان ويعلن عن انتخابات جديدة، في حال وجد عرقلة من المؤسسة التشريعية.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا