بغداد | الرهان الصعب، لرئيس الوزراء نوري المالكي بالقبض على «الولاية الثالثة» على مدى اربعة اعوام مقبلة، لا يصطدم بحائط المعارضة «السُنية» المليء بالبنادق فقط، لكنه يقف أيضاً عند خطوط «حمرٍ» فرضها الحلفاء الشيعة. انتخابات 2014، تختلف خارطتها الاستقطابية عن انتخابات 2010 التي بدت حينها اكثر انسجاماً مع «الديمقراطية»، منها الى «التحالفات».
وبرغم ان المالكي استطاع بموافقة «الحلفاء الشيعة» الالتفاف على الفوز الذي حققه زعيم ائتلاف «العراقية» سابقاً أياد علاوي، عبر المحكمة الاتحادية، وجعل مقاعده (91 مقعداً) التي حصدها بصعوبة، تبدو فارغة القيمة، فإن «الشيعة الحلفاء» سيواجهون زعيم ائتلاف دولة القانون، بتلك «اللعبة»، بأن الكتلة الاكبر وحصتها رئاسة الوزراء، هي من تتشكل تحت قبة البرلمان، لا تلك التي تأتي بأعلى الاصوات. وبناءً عليه فإن المالكي بات رهين حركته في 2010.
في التصويت الخاص لعناصر قوى الامن والجيش، قال مناصرو المالكي إن ائتلافه «دولة القانون» حصد 60 % من الاصوات، بينما يجد الخصوم والحلفاء السابقون، ان التصويت يعد «خرقاً» لان المالكي هو القائد العام للقوات المسلحة، وتحت ضغوط سياسية وعسكرية، سيخضع (1.023.829) عسكري ومنتسب، لرغبة قادتهم وسيحققون للمالكي 10 مقاعد على اقل تقدير. ووفقاً لمفوضية الانتخابات، فإن المقعد يمثل 100 الف نسمة، بينما العتبة الانتخابية لكل مرشح للحصول على مقعد، تتحدد وفقاً لنسبة التصويت في يوم الاقتراع العام.
وفي محاولة منه للحد من الاستحواذ على اصوات العسكر، دخل زعيم «الوطنية» اياد علاوي، والرجل الثاني في قائمة «المواطن» بزعامة عمّار الحكيم، احمد الجلبي، وبهاء الاعرجي رئيس قائمة «الشراكة الوطنية للتيار الصدري» الى مبنى مفوضية الانتخابات ببغداد، لمنع تشفير اسماء منتسبي جهاز الاستخباات وجعلها ارقاماً، وعدم شمولهم بضوابط الاقتراعين الخاص والعام.
وتخشى الكتل الشيعية الكبيرة، من ان تعلن مفوضية الانتخابات فوز ائتلاف دولة القانون بعدد اصوات هائل يمكّنه من حصد مقاعد قد تصل الى الثلث (110 مقاعد).
الخارطة الانتخابية، عوضاً عن كونها مفروزة طائفياً، فإنها تكشف عن صراع حاد وعميق بين جميع الأفرقاء والحلفاء؛ فعلى الطرف الشيعي، تبرز القوائم الثلاث الكبرى، وهي «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«ائتلاف المواطن» بزعامة الحكيم، برغم انه لم يُرشح نفسه، والتيار الصدري بقائمة متفرعة الى ثلاث قوائم في العاصمة بغداد، وهي كتلة الاحرار، التي يترأسها وزير الاعمار والاسكان محمد عبد الصاحب الدراجي (رصافة بغداد)، وقائمة الشراكة الوطنية، التي يقودها القيادي بهاء الاعرجي (كرخ بغداد)، وقائمة النخب والكفاءات الوطنية بزعامة رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري ضياء الاسدي (ضواحي شرق وجنوب شرق بغداد). وتظل قائمة الاصلاح الوطني بزعامة رئيس الوزراء الاسبق ابراهيم الجعفري، وقائمة حزب الفضيلة، من القوائم الشيعية الضعيفة على الرغم من محاولتهما التقرب من الشارع الشيعي، ودغدغة مشاعره «الطائفية»، ولاسيما من قبل حزب الفضيلة، الذي طرح القانون الاجتماعي الاكثر رجعية في المنطقة «القانون الجعفري»، الذي عدته المرجعيات الدينية النجفية المعتبرة «شطحة» من «شطحات المرجع اليعقوبي».
ويسعى عمّار الحكيم، إلى الحصول على 50 مقعداً على الاقل، متجاوزاً جميع التوقعات، ويكرر المفاجأة الكبيرة التي فجّرها التيار الصدري في انتخابات 2010 بحصده 40 مقعداً، ما جعله «بيضة قبان الشيعة» بعد عامين فقط من مطاردته من قبل رئيس الوزراء في اغنى محافظات البلاد اثر، صولة الفرسان في البصرة عام 2008.
ووفقاً لتحركات الحكيم، الذي تولى زعامة المجلس الاعلى بعد وفاة والده السيد عبد العزيز (2009)، فإن الزعيم الشاب الذي غيّر كثيراً من طروحات المجلس، وجعله اكثر ليبرالية في ما يخص التحالفات السياسية، استطاع بهدوء وصمت ان يُرضي مرجعية النجف، وينتزع منها اعترافاً بكونه «ابن الحوزة والمرجعية»، برغم ان الصدر اكثر ارتباطاً منه بالنجف التقليدية، لكنه (عمّار) يمثل «الاعتدال» الذي يفضله كثيراً المراجع الاربعة الكبار في النجف (علي السيستاني، محمد سعيد الحكيم، بشير النجفي، واسحاق الفياض). واشرك «ابن الحوزة» المرجعية ركنا اساسا في دعايته الانتخابية، وصعّد كثيراً باتجاه ان «المرجعية تريد التغيير»، في اشارة الى عدم رضاها عن ولاية ثالثة لرئيس الوزراء.
وفي اخطر اشارة صريحة إلى تحريم «انتخاب المالكي»، اصدر المرجع النجفي رسالة مطوّلة لعموم الشيعة، يحثهم فيها على عدم «جواز انتخاب من فشل طيلة السنوات الماضية»، مشيراً إلى أن الحكيم هو الاقرب الى طموحات الحوزة النجفية.
على الضفة النجفية الاخرى، ظل مقتدى الصدر بلا مرجعية، بعدما تخلى عنه مرجعه المقيم في ايران السيد كاظم الحائري، بسبب مقاربات الصدر الداخلية، وموقفه الداعم لـ«الثورة السورية»، ورفع انصاره لـ«علم الثورة» في تجمع جماهيري في بغداد.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الصدر، حين اعلن الاعتزال السياسي في شباط الماضي، كان ذلك وفق اجراءات صفقة بين المرجعيات الشيعية في قم والنجف، لاعادة استيعاب الصدر واحتوائه، وتحويل جناحه السياسي الى مؤسسة تعمل وفق مقتضيات المناخ العام، وتفكيك خلاياه المسلحة، تمهيداً للاعتراف بأحد المراجع الكبار راعيا اساسيا له.
ويحاول الصدريون حصد 70 مقعداً، وهم كشفوا عن طموحهم بتولي رئاسة الوزراء، عبر ترشيح «الخادم المحبوب» محافظ ميسان علي دواي لازم، الذي لم يترشح للانتخابات النيابية.
سُنياً، يتنافس رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك، على المقاعد السنية بضراوة. وفيما «يقاتل» النجيفي من اجل الا يخسر مقاعد محافظته الأم نينوى، يواجه خصوما اقوياء في بغداد، وديالى وصلاح الدين، وكركوك، كالقائمة «العربية» بزعامة المطلك، و«الوطنية» بزعامة علاوي، و«ائتلاف العراق»، التشكيل الشيعي السُني المقرب من المالكي، او كما يسميهم المعارضون «سُنة المالكي». الشارع السُني، منقسم بشدة، على خلاف الشارع الشيعي المفروز بين القوى الكبرى.
فقائمة مثل «كرامة» التي يتزعمها رجل الاعمال المتطرف «طائفياً» خميس الخنجر، يراهن كثيراً على النازحين من الانبار والمهجرين السُنة في الخارج، لكن حظوظه ضعيفة، فيما الحظوظ الاكبر تنقسم بين «عربية المطلك» و«متحدو النجيفي».
وبحسب مصدر سُني مطلع، فإن «الناخبين السُنة ذوي الاتجاهات الدينية المحافظة، سيصوتون لقائمة متحدون، وسيعمل خطباء الجوامع ورجال الدين على اقناع الشارع السني بها، فيما قائمة المطلك سينتخبها السُنة المعتدلون والمفصولون لاسباب بعثية، والعائلات المنفتحة، فضلا عن النفوذ الواسع لها في ديالى، وكركوك، لجهة العلاقة مع منتسبي الجيش العراقي السابق غير المنخرطين في الجماعات المسلحة».
اما «سُنة المالكي» ائتلاف العراق، الذي يقوده رجل الاعمال السُني فاضل الدبّاس، المتورط في استيراد اجهزة كشف المتفجرات الفاسدة، والصادرة بحقه اوامر قضائية، فهو كما يقول المصدر «سيحقق حضوراً بين السُنة المنبطحين»، و«الشيعة الانتهازيين»، ويترأس القائمة بالرقم (1) في بغداد، الاقتصادي المعروف ووزير التخطيط الاسبق مهدي الحافظ.
وبالعموم فإن المقاعد السُنية لن تتجاوز، ما حققوه في انتخابات 2010، فهي اكثر من 60 مقعداً بقليل، نظراً للتصويت الجزئي لمحافظة الانبار.




الانتخابات بالأرقام

يتنافس في الانتخابات العراقية 2014، أكثر من تسعة الآف مرشح و107 ائتلافات على مقاعد البرلمان، البالغ عددها 328 مقعدا بنظام انتخابات (النصف مفتوح، النصف مغلق) على اساس كل محافظة دائرة انتخابية واحدة.
وبأصل توزيع المقاعد، فان المحافظات العراقية الثماني عشرة، لها 320 مقعدا، على اساس 100 الف نسمة لكل معقد، وفقا للكثافة السكانية. فالعاصمة بغداد سجلت الرقم الاعلى بـ69 مقعدا، فيما كانت مقاعد محافظة المثنى سبعٌ فقط.
المقاعد الثمانية الباقية، هي مقاعد تمثيل المكونات (الاقليات)، وتوزعت على محافظات (بغداد، نينوى، كركوك، دهوك، اربيل)، على اساس مقاعد لـ(المسيحيين – الايزيديين - الصابئة المندائيين - الشبك)، حيث منح المكون المسيحي خمسة مقاعد، فيما الشبك والصابئة والايزيديين، لكل منهم معقد واحد، بحسب المحافظة التي يمثلون فيها تجمعاً واضحاً.