أوقف فرع المعلومات الشاب مارك ط، للاشتباه فيه بالتواصل مع العدو الإسرائيلي. المشتبه فيه ليس موقوفاً عادياً، وإنما مدرّب محترف في فنون القتال والسلاح الأبيض والرماية بالمسدسات والبنادق ومرافقة الشخصيات. خضع لدورات تدريبية عدة على فنون الدفاع الذاتي في كل من صربيا واليونان والأردن والبحرين ومصر وتركيا وإسبانيا وإيطاليا ورومانيا. كما أنه يدرّس في دورات تدريبية للجيش والأمن العام.بدأت الأجهزة الأمنية التدقيق في خلفية مارك بعد نشره صورة تخرُّجٍ من دورة تدريبية في صربيا، على صفحته على «إنستاغرام»، تبيّن أنه أخفى فيها علماً إسرائيلياً. وبعد تحليل محتوى هاتفه، تبيّن أنّه أرسل رسائل إلى الموساد الإسرائيلي يعرض فيها خدماته، قبل أن يمحو الرسائل. كان الرجل واضحاً في رسائله بأنّه يعرض تجنيده كعميل للتخلّص من حزب الله. الرسالة الأولى كتب فيها: «مرحبا، أنا مواطن لبناني صارلي فترة عم جرّب اتّصل فيكن، لكن كنت خايف من المخاطرة إني إتوقّف. بالنسبة للحكومة اللبنانية الفاسدة وحزب الله المسيطر على لبنان، حابب يكون عندي فرصة لساعدكن بجمع المعلومات ليكون بلدي آمن من حزب الله، على أمل أن يتّحد بلدي مجدداً مع إسرائيل كما كانا في الماضي». أرسل المشتبه فيه هذه الرسالة إلى عنوان البريد الإلكتروني لجهاز المخابرات الإسرائيلي وانتظر لأيام قبل أن يأتيه الرد: «احكي ما تخافش»، طالبين منه الاستمرار بالتواصل. انتظر فترة أسبوع قبل أن يعاود إرسال رسالة اعتذر فيها على التأخر بالرد وأبلغهم أنّه على استعداد لتزويدهم بأي معلومات يطلبونها عن حزب الله ولبنان، متعمداً الحديث عن فساد الحكومة وسيطرة حزب الله واحتلاله الأراضي اللبنانية بقصد جذب انتباههم للرد والتواصل معه. انتظر المشتبه فيه أياماً، لكن لم يأتِ أي ردّ. فقرر مسح جميع الرسائل. أبلغ المحققون المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، فأشار بتوقيفه وإحالته على النيابة العامة العسكرية.
توسّع فرع المعلومات بالتحقيق، فواجه المحققون الموقوف بالرسائل ليُقرّ بإرسالها. أبلغهم أنّه تأثّر بالإسرائيليين جرّاء مشاهدته لفيلم إيلي كوهين ومسلسل «فوضى» الإسرائيلي على منصة «نتفليكس». الأول عن حياة الجاسوس الإسرائيلي الشهير الذي أعدِم في سوريا، والثاني عن «إنجازات» الاستخبارات الإسرائيلية.
حاول القضاة تصحيح خطئهم بخطأ آخر تمثّل بطلب إعادة توقيف المخلى سبيله


بيّن تحليل هاتف المشتبه فيه أنه بحث طويلاً قبل أن يعثر على طريقة للتواصل مع الإسرائيليين. وتبيّن أنّه كان مهتماً بالإسرائيليين منذ عام 2015، وكان يبحث عن عناوين «وسيط لبناني إسرائيلي»، «إذا أردت الالتحاق بالقوات الإسرائيلية»، «إذا كنت لبناني وأُريد الالتحاق بالقوات الإسرائيلية»، «لماذا لم تقضِ إسرائيل على حزب الله»، «هل سيحصل السلام بين لبنان وإسرائيل؟». كما زار موقعاً إلكترونياً للتواصل مع الموساد الإسرائيلي.
رغم كل ما تقدم، إلا أنّ القضاء العسكري قرر تركه حُرّاً من دون أي تفسير منطقي.
اطلعت «الأخبار» على مضمون محاضر التحقيق الموجودة في المحكمة العسكرية ليتبيّن أنّ كلاً من قاضي التحقيق العسكري علي الموسوي ومفوض الحكومة بالإنابة لدى المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي، اتخذ قراراً يرقى إلى مستوى الفضيحة. لقد أخلى قاضي التحقيق العسكري موقوفاً مدعى عليه بجناية التعامل مع العدو الإسرائيلي. لم يُعرف إذا توسّطت «جهة ما» لدى قاضي التحقيق العسكري لترك الموقوف الذي تطوّع لعرض خدماته على الموساد. ورغم ذلك، فإنّ القاضي فادي عقيقي لم يطلب توقيفه وجاهياً. كما أنّ قاضي التحقيق لم يُسطّر طلب توقيف المشتبه فيه، الموقوف أمامه وجاهياً. وهذه سابقة لم تُسجّل من قبل. إذ إنّ مفوض الحكومة طلب إلى قاضي التحقيق إصدار كل مذكرة يتطلّبها التحقيق والذي ادّعى على الموقوف بموجب جناية المادة ٢٧٨ من قانون العقوبات (التعامل مع العدو الإسرائيلي)، صادق على قرار ترك الموقوف الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري علي الموسوي.
جرى ذلك بتاريخ ١٢ الشهر الجاري، ليُرسل قرار الترك إلى فرع المعلومات. خرج مارك بقدرة قادرٍ، قبل أن يحضر القاضي عقيقي صباح اليوم التالي ليُرسل إلى آمر سجن المعلومات قراراً بوقف تنفيذ قرار الترك بذريعة وجود طعن، لكن الموقوف كان قد أصبح حراً. حاول المسؤولون عن هذا الملف لملمة الفضيحة بعد خروج موقوف مدعى عليه بجناية تعامل، علماً بأنّ القاضي رولان الشرتوني الذي سبق أن وقّع على قرار الموسوي بترك الموقوف في ١٢ من الشهر الجاري، استأنف القرار في اليوم التالي وفتح محضراً طلب فيه منع سفر المشتبه فيه المخلى سبيله. وبحسب المصادر القضائية، فقد طلبت النيابة العامة العسكرية من القاضي صقر صقر في محكمة التمييز العسكرية فسخ القرار الصادر وإصدار مذكرة توقيف بحقه مع أنّ استئناف القرار غير قانوني على اعتبار أنّ قاضي التحقيق تماشى مع النيابة العامة العسكرية التي لم تطلب توقيفه حتى. ارتكب القضاة فضيحة لم يسبقهم إليها أحد. لم يُعرف إذا ما كان هناك جهة ما قد ضغطت لترك الموقوف ثم تدخّلت جهة ثانية لتصحيح الخلل. أما سعيد الحظّ الذي خرج فلم يُعرف بعد إذا غادر البلاد أو لا.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا