يفترض أن يكون زمن الميليشيات قد انتهى وبات للبنان دولة ومؤسسات وقضاء. لكن النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم يتصرف وكأن الزمن لا يزال عالقاً في الحرب الأهلية حيث لا دولة ولا محاكم ولا من يسأل عن أحوال الناس. فبعدما اقتيد أكثر من 10 أصحاب مستوعبات كانت عالقة في مرفأ بيروت بأمر من القاضي إبراهيم نفسه الى مركز تحرّي بيروت، حيث تم إجبارهم على توقيع تعهدات بدفع رسوم من دون أي أمر من المحكمة وبشكل مخالف لأي قانون (راجع الأخبار، 12 أيار 2021)، يمعن النائب العام المالي بمخالفة القانون مرة أخرى عبر الإيعاز إلى مركز التحرّي إياه الاتصال بهؤلاء الأشخاص لتذكيرهم بوجوب الدفع في مهلة أقصاها أسبوع واحد... وإلا فالسجن. حصل ذلك يوم أول من أمس، بحق أصحاب مستوعبات كانت عالقة في المرفأ قبل انفجار 4 آب 2020، وقررت الدولة اللبنانية ممارسة الهلع ودفع أكثر من مليوني دولار لنقل هذه المستوعبات إلى الخارج بذريعة وجود مواد خطرة فيها. القاضي إبراهيم لم يكتفِ بذلك، إذ قرّر عدم الاعتراف بالليرة اللبنانية، وإجبار أصحاب المستوعبات على تسديد المبالغ التي أجبرهم على دفعها بالدولار! وحجة إبراهيم في ذلك أن الدولة اللبنانية دفعت الى الشركة الألمانية «كومبي ليفت» ما قيمته مليونا دولار بالعملة الصعبة. وبصرف النظر عن أن التدقيق في محتويات المستوعبات يشير الى «كذبة» كبيرة تمّ استخدامها لتحصيل مليونَي دولار، فإن النائب العام المالي أقحم نفسه في هذه المسألة متوعداً بأخذ حقّ الدولة اللبنانية بيده. من كلّف إبراهيم بذلك؟ لا أحد يعلم، وربما هو قرار فردي، بما أنه يريد من أصحاب المستوعبات دفع المال بالدولار لمصلحة النيابة العامة المالية لا الدولة اللبنانية، ومن دون أي أمر من الأخيرة وبلا أي تحقيق أو ملف قضائي. كيف يضمن المُرهَبون إذاً أن أموالهم ستذهب الى الدولة؟ وكيف يدفعون من دون أيّ نص يوجب عليهم دفع هذه «الغرامة»، كما من دون حكم قضائي واضح كان لهم حق الاعتراض عليه؟ اسألوا القاضي علي إبراهيم. «الأخبار» حاولت الاتصال بالأخير من دون أن يجيب، فيما آثر في المرة السابقة الصراخ وقطع الاتصال الهاتفي عند سؤاله عن الأمر. الأخطر أن يجرّ أداء إبراهيم الى إجراءات أخرى وتكرّ سبحة التعدّي على المواطنين بقوة الأمر الواقع! جديد إبراهيم اليوم، ذهاب أحد العملاء لدفع المبلغ المتوجب عليه نتيجة «الترهيب» الذي تعرّض له وتسطير منع سفر بحقه، فيما عائلته تقطن في الخارج. توجّه الأخير الى مصرف لبنان للحصول على إفادة بسعر الصرف الرسمي للدولار وهو 1515 ليرة لبنانية، ثم حرّر شيكاً لمصلحة القاضي علي إبراهيم بقيمة تقارب 64 مليون ليرة لبنانية لأن ما طلبته النيابة العامة المالية مقابل مستوعبه هو 42553 دولاراً. إلا أن مركز التحرّي المكلّف من إبراهيم بالقبض، وعند اتصاله بالأخير، أبلغ صاحب الشيك رفض القاضي تسلّم الشيك بالليرة اللبنانية، فالدولة، على ما قاله دفعت بالدولار. إذاً، ثمة قاضٍ يشغل منصب نائب عام مالي في الدولة اللبنانية يرفض التداول بعملة دولته، أي الليرة اللبنانية، ويطالب بدولار نقدي، ثم يتنازل عنه لمصلحة شيك بالدولار. لا يحدث ذلك إلا في لبنان نتيجة انحلال الدولة وسقوطها وسقوط كل مؤسساتها، بحيث بات المكلف بالادّعاء بقضايا الفساد والانحياز للشعب ينقلب على وظيفته.
أبلغ التحرّي أصحاب المستوعبات أن إبراهيم أجرى حسماً على المبالغ المتوجّبة عليهم

بدعة القاضي إبراهيم الثانية هي إبلاغ أصحاب المستوعبات أنه جرى التعاطف مع وضعهم، وعليه نفذ الريّس حسماً على المستوعب، فخفض «سعره» من 60 ألف دولار الى 42 ألفاً و553 دولاراً! والمبلغ الأخير هو للدقة ولإثبات أن القاضي لا يطلق أرقاماً عشوائية بل يستند الى معادلة حسابية معقّدة. جرى ذلك رغم إبراز معظم أصحاب المستوعبات مستندات تحمل توقيع المراقب الأول لدائرة المانيفست في الجمارك، نعمة براكس، يبلغهم فيها أنه سيتم بيع يضائعهم في المزاد العلني بموجب المادة 440 من قانون الجمارك، معلّلاً ذلك بأن البضائع مضى على وجودها في المرفأ أكثر من ستة أشهر ويوم واحد. وقد ختم براكس ــــ بعد ذكره نوع المستوعبات والمواد الموجودة داخلها ــــ بأنه استناداً الى القانون «نود إبلاغكم بأننا سنباشر بإجراءات بيع البضائع المتروكة المذكورة أعلاه». وبحسب القانون، فإن البضائع التي تدخل الى المنطقة الجمركية تخضع لصلاحية الجمارك وإن بيع البضائع التالفة والقابلة للتلف والمتروكة بالمزاد العلني هو ملقى على عاتق الجمارك. بعض هذه المستندات التي يملكها العملاء صادر في عام 2015، لكن بعد ست سنوات، ثمة من أراد أن يطبق قانون «السلبطة» ويتجاهل القانون الذي هو في صلب عمله ومن المفترض أن يكون الأحرص على تطبيقه. الأنكى أنه عند مراجعة البعض للتحري وإبراز أوراقهم، جاءهم الجواب: «لا قانون هنا سوى الذي يريده الريّس».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا