بعدما أثار لقاء العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري الأخير جدلاً واسعاً، جاء «التحالف التشريعي» في موضوع سلسلة الرتب والرواتب ليُكرس اعتقاداً بأن تيار المستقبل سيسير بعون كمرشح لرئاسة الجمهورية. تحليلات كثيرة أحاطت بهذا الانفتاح، قبل أن يقطع الحريري الشك باليقين ويتبنّى ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. منذ إعلان هذا التبنّي، والجميع يطرح أسئلة عن المشهد السياسي الذي ساد بين التيارين الأزرق والبرتقالي. فهل ما حُكي في وسائل الإعلام كان «تضخيماً»؟ هل خدع تيار المستقبل ميشال عون، أم أن الأخير أخطأ في تحليل موقف الأول؟
«لم تكُن الأمور عظيمة إلى هذا الحدّ بين التيارين، المستقبل والوطني الحر، كما حاول البعض تصويرها»، بحسب مصدر سياسي مستقبلي بارز ، إذ يلفت إلى أن «كل اللقاءات التي جمعتنا مع مسؤولين عونيين لم يتم فيها الاتفاق على أي من الملفات، وتحديداً في ما يتعلّق بالانتخابات الرئاسية». فـ«نحن لم نجزم لعون أمر تبنّيه، وهو أصلاً لم يطلب من الحريري دعماً». يقول إن «النقطة الوحيدة التي تمّ الاتفاق عليها، وهي لم تعُد خافية بطبيعة الحال، هي حضور الجلسة وتأمين النصاب، لأنه واجب أخلاقي ووطني»، وكل ما عدا ذلك «تحليلات لا أساس لها من الصحّة». حتى إن «التقارب الذي حصل في جلسة سلسلة الرتب والرواتب لم يسبقه تنسيق». يكشف المصدر المستقبلي أمراً «لم يتنبّه إليه أحد»، فيقول إن «تأجيل بتّ مراسيم النفط والغاز في مجلس الوزراء أثار حفيظة الوزير جبران باسيل الذي قرر الانتقام من فريقه، فوقف ضد مشروع السلسلة الذي تبنّاه حزب الله والرئيس نبيه برّي، فتقاطع موقع التيار مع موقفنا في الجلسة، وهو كان تحالفاً ظرفياً لا علاقة له بموضوع الرئاسة»، مؤكداً «أننا لم نخدع ميشال عون، ولم نتعهّد إليه بأي شيء».
ما السرّ الخفي إذاً في الحراك العوني تجاه المستقبل، ما دام أمر تبنّيه من قبل الحريري لم يكُن وارداً؟
كان على عون أن يضع جانباً من أحلامه وطموحاته في استئصال الحريرية السياسية
لا يحتاج الأمر إلى كثير من العناء لتفسيره برأي المصدر. فعون الذي يطرح نفسه مرشحاً وسطياً، لا مرشحّاً لفريق الثامن من آذار، يعلم أنه «لا يستطيع أن يقود معركة رئاسية من جهة واحدة». هذا الرجل «الذي لا يبدو عنه أنه أكثر من قائد عسكري صارم منهمك في محاربة الجميع، سارع إلى قلب الطاولة وتغيير خططه». يريد ميشال عون أن يصبح رئيساً للجمهورية، أي رئيساً لكل لبنان، لذا «رأى أن الطريق إلى القصر يحتاج إلى انفتاح مع الجميع، ولا سيما نحن الذين نمثل الشارع السنّي». كان على عون أن «يضع جانباً من أحلامه وطموحاته في استئصال الحريرية السياسية». كان لزاماً عليه أن «يشطب عبارة الحريرية حبل مشنقة اقطعوه قبل أن يقطعكم». ورُبما «فكّر الرجل في إحراق كل نسخ كتاب الإبراء المستحيل التي بقيت في مكتبته الخاصة». يضيف المصدر الحريري «كان على الجنرال أن يُفكّر كثيراً في مواقفه السابقة، إذ إن شهرين قضاهما في التواصل معنا لا يُلغيان حفلته الجنونية ضدّنا لأكثر من خمس سنوات».
إذاً لم تشفع كل محاولات عون في كسب رضا تيار المستقبل. فهو «مكروه من قبل الرعية». أن يستقبله الحريري في باريس «لا يعني أن يكون مرشحنا لرئاسة الجمهورية ». وأن يجلس نواب المستقبل والتيار الوطني جنباً إلى جنب على طاولة واحدة «لا يعني ذلك أيضاً أن أصواتنا ستُجيّر له». منذ ترشح سمير «بات الأخير خيارنا الوحيد، حتى لو لم تكُن حظوظه مرتفعة»، كما يؤكّد المصدر. أولاً لأنه «المرشح المسيحي الأقوى في فريق الرابع عشر من آذار». وثانياً «لأنه وقف مع تيار المستقبل في كل المحطات منذ عام 2005 حتى اليوم». وبالتالي «لا يُمكن الرئيس الحريري التخلّي عنه».
أما العلاقة بين الرابية وبيت الوسط «فلا تعدو كونها واجباً وطنياً»، عبارة يردّدها المصدر أكثر من مرة في معرض تعليقه على ما يُحكى منذ شهرين بشأن هذا التقارب.
لا ينكر المصدر حقيقة أن «التقارب انعكس انفراجاً في الوضع الداخلي، بعدما بلغ التشنج أوجه»، لكن «الوقت قد فات وعون جاء إلينا متأخراً».
أما الحكم بيننا فكان «الافتراء» علينا، والذي لم يتوقف منذ توقيع وثيقة التفاهم بين العونيين وحزب الله.