فالأردن ليس بلداً لديه اقتصاد حقيقي قوي أو موارد طبيعية، بل يعيش على المساعدات، أو بمعنى أدقّ، على الرشى، لقاء سياسات يتّبعها وخدمات يُقدّمها. وهذه المساعدات كانت تأتي بصورة أساسية من الولايات المتحدة ودول الخليج، وخصوصاً السعودية والإمارات، مكافأةَ له على «معاهدة وادي عربة» مع إسرائيل. وحتى الكويت، طُلب منها تقديم مساعدات إلى الأردن، على رغم وقوفه مع صدام حسين خلال غزوها، ونيله رشوة نفطية من الرئيس العراقي المخلوع على موقفه هذا.
أرادت السعودية والإمارات تدفيع عبد الله ثمن موقفه الرافض لـ«صفقة القرن»
لقد أدّى الأردن، بحماية ورعاية أميركيتَين للنظام، وظائف كثيرة، طوال السنوات الخمسين الماضية، منذ أن انتهت الحروب العربية - الإسرائيلية بمعناها الكلاسيكي، أي بين الجيوش، لكن أهمّها وظيفة العازل لإسرائيل أمام هجمات محتملة على أطول حدود لها مع أيّ دولة عربية، ووظيفة قاعدة الانطلاق للأميركيين في الكثير من مشاريعهم في الشرق الأوسط، ولا سيما تلك التي تتعلّق بالعراق وسوريا، وكذلك في حرب أفغانستان، ومحاصَرة إيران. ووفق هذه القاعدة، استطاع الملك حسين، وبعده عبد الله، تأمين استقرار النظام، في منطقة لا استقرار للأنظمة فيها، وأن ينأى بالأردن حتى عن موجة ما سُمّي «الربيع العربي» الذي لم تَسْلم منه إلّا ممالك الخليج ومشيخاته الغنية. لكن جفاف المساعدات الخليجية، وسلسلة عوامل أخرى ضِمْنها وباء «كورونا»، وأزمة المياه التي فاقمها تلكّؤ إسرائيل في الاستجابة لطلب الأردن تزويده بالمياه وفق المعاهدة بين الجانبين، دفعت المملكة الهاشمية إلى وضْع اقتصادي صعب لا يبدو أن ثمّة مخارج سهلة منه. وبالتالي، تفاقمت، أيضاً، حركة المعارضة لسياسات الحكومة، وبدأت تمتدّ إلى الشارع. وهذا ما حاول حمزة بن الحسين الاستفادة منه، في الظهور بمظهر مَن يحاكي المظالم التي يشكو منها المواطن الأردني.
أرادت السعودية والإمارات تدفيع عبد الله ثمن موقفه الرافض لـ»صفقة القرن»، التي رأى فيها تهديداً للكيان الأردني، واستطراداً لحُكْم السلالة الهاشمية. لكن هذا الرفض بالذات هو ما أكمل رحلة التقارب بين الملك و»الإخوان المسلمين» في بلاده، والتي بدأت مع دعم عبد الله المعارضة المسلّحة في الجنوب السوري، حين وافق، في السنوات الأولى للأزمة، على إقامة معسكرات تدريب أميركية لهذه المعارضة على الأراضي الأردنية، وصولاً إلى إقامة غرفة «الموك» التي كان هدفها إسقاط النظام السوري. كما وَفّر خطوط إمداد حيوية للفصائل المسلّحة، التي استطاعت في فترة ما السيطرة على مناطق واسعة في محافظة درعا. ولهذا كان الراعي الإقليمي لـ»الإخوان»، أي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، من أوائل المبادرين إلى الاتصال بالملك الأردني، الذي تَجمعه به علاقة طيّبة منذ أن تحدّى الأخير «فيتو» سعودياً، وشارك في قمّة «منظّمة التعاون الإسلامي» الاستثنائية التي انعقدت في إسطنبول في أيار/ مايو 2018، احتجاجاً على نقْل السفارة الأميركية إلى القدس. والجدير ذكره، هنا، أن العلاقة مع «الإخوان» حاسمة، أيضاً، على الصعيد الداخلي بالنسبة إلى عبد الله الثاني؛ ذلك أن «جبهة العمل الإسلامي» هي فصيل المعارضة الرئيس في البلاد، وهي التي كانت تقود حركات الاعتراض على السياسة الأردنية تجاه إسرائيل، وعلى السياسات الاقتصادية للحكومة، كما أنها شَكّلت القوة الأكبر في المعارضة البرلمانية وفي النقابات وغيرها من الأطر.
في النتيجة، يمكن وصْف ما حدث بأنه استباق أردني لمحاولة انقلابية ذات امتدادات خارجية، لا يبدو المزاج الشعبي في المملكة مؤاتياً لها، خصوصاً أن ابن سلمان لا يتمتّع بأيّ تعاطُف في هذا البلد، وتحديداً بسبب سعيه إلى فرض «صفقة القرن».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا