عندما صدر مرسوم تأسيس الجامعة اللبنانية عام 1951، كان وليد إضرابٍ عام قام به طلاب الجامعات الخاصة والثانويون، رافقته تظاهرات واشتباكات مع القوى الأمنية للمطالبة بجعل التعليم العالي مجانياً. نشأت الجامعة الوطنية من خلال التظاهرات، فتشكّلت حركة طلابية قوية بلغت ذروتها عام 1971 حين سقط 40 جريحاً من الطلاب بعدما قطعوا طريق المطار واحتلوا مباني الكليات.
عاشت الجامعة اللبنانية طويلاً على مجد تلك الأيام، التي ذهبت إلى غير رجعة منذ اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975. شهد الحراك الطلابي تدهوراً متصاعداً، حتى وصلنا إلى اليوم الذي بات فيه معظم الطلاب يدخلون إلى «اللبنانية» بهدف الحصول على الشهادة الجامعية بأسرع وقت، ومغادرة ما يسمّيه كثيرون منهم «السجن». وهذا ما لا يتوافق مع مهمة الجامعات في العالم، التي تسعى إلى بناء مواطن قادر على ممارسة التفكير النقدي والمشاركة في قيادة التغيير في الوطن.
حالة التذمّر المستمرة، التي يمارسها الطلاب بشكل شبه يومي، تعكس رفضهم للواقع الموجودين فيه، إلّا أنها تترافق مع يأسٍ شديد سيطر عليهم وأقنعهم بعدم قدرتهم على التغيير. هكذا يبدو علي، الطالب في كلية الحقوق والعلوم السياسية، مسلّماً بأنّ «الحصول على الشهادة الجامعية هو هدف كل شخص يدخل الجامعة. وأي قرار بالتغيير كطلاب لا يمكن أن يحدث أي تأثير، لأن قرار التغيير مصادر من الجهة السياسية المسيطرة على الكلية، فهي التي تقرّر حصول تحرّك من عدمه». أمّا سالي، طالبة في كلية العلوم، فتجيب «بصراحة، نحن نعلم أنّ هناك أخطاء كثيرة ترتكب في الجامعة اللبنانية، وأن مستواها التعليمي تراجع في الفترة الأخيرة. لكن ما العمل؟ ليس بمقدورنا فعل شيء. علينا تقبّل الواقع كما هو. في هذه الكلية، همّنا الوحيد تجاوز السنة الأولى. هكذا أصبحت طموحاتنا!».
صراحة سالي تعكس حالة الصدمة التي يتعرّض لها الطلاب الذين يدخلون إلى الجامعة «محمّلين بأحلامٍ كبرى، نريد تغيير العالم والوصول إلى أعلى المناصب، نريد أن ننتفض ضد الظلم لبناء وطننا كما تخيلناه». لكن «لا يحتاج الأمر إلى أكثر من شهر في الجامعة اللبنانية لكي يصبح أقصى طموحنا وذروة تحركنا هو إزالة علَمٍ من هنا وتحسين الكافيتيريا وتأمين طاولات لائقة من هناك».
يُرجع البعض الفرق بين طلاب الخمسينيات وطلاب اليوم إلى الواقع السياسي والاجتماعي المسيطر. فتقول حنين، طالبة في كلية الإعلام والتوثيق، «في تلك الفترة كانت التحركات تقوم على أساس وطني، صحيح أن الطلاب كانوا منقسمين بين اليسار واليمين، إلا أنهم كانوا متفقين على إعلاء مصلحة الجامعة والطلاب. أما اليوم فالانقسام الطائفي والحزبي متغلغل في جميع مجالات الحياة، وقد فشلنا في فصله عن حياتنا الجامعية للأسف فوصلنا إلى ما نحن عليه. لا يمكن أن نتوحد اليوم كطلاب، فلكل منا حساباته السياسية والشخصية. أمّا وضع الجامعة ونوعية التعليم فلا يهمّ... فلنحصل على شهادة وكتّر خيرن».
هذا التركيز على الحصول على الشهادة، بصرف النظر عن نوعية التعليم المقدّمة، وتقاعس بعض الأساتذة بالشراكة مع الطلاب الذين لا يعنيهم حضور الأستاذ أو غيابه، جميع هذه الأمور ناتجة من ارتقاء مشوّه يسعى إليه الطالب الذي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة. وهذا ما لا نلحظه لدى طلاب الجامعات الخاصة، الذين خاضوا أخيراً في الجامعة الأميركية معركة ضد زيادة الأقساط متضامنين على اختلاف انتماءاتهم. وإن كان فراس، الطالب في كلية الآداب، يرى أن سبب هذا الأداء من قبل طلاب الجامعات الخاصة قد يكون يكمن في أنهم «يدفعون مبالغ طائلة ليتعلموا، كما أنّ الأستاذ يتعرّض دائماً للمحاسبة والمساءلة من قبل الإدارة. لذلك، فهم يأخذون الأمور بجديّة أكبر». لا شيء يفترض أن نخشاه، أكثر من أن يكون هذا السبب صحيحاً.