صالح بركات* في أواسط عام 1989، وقبيل افتتاح الغاليري، قمت بزيارة أبرز المهتمّين بالساحة الفنية لإطلاعهم على مشروعي، وأخذ مشورتهم في هذا الخصوص. في ذلك الوقت، تعرّفت إلى الأستاذ نزيه خاطر، الناقد الفني الأول في جريدة «النهار» منذ عقود طويلة. صاحب زاوية وقلم ينتظره الفنانون بمهابة وتطلّع، حيث يؤخذ رأيه في الحسبان، ويؤثر إلى أبعد حدود.
يأتي لزيارة المعارض، متسلّحاً بعدّته، بخاصة البيريه الشهيرة. يتسلّل دون موعد بغية رؤية اللوحات بعناية. يسأل عندما تدعو الحاجة، وينسحب بهدوء. بعدها، تبدأ مسيرة انتظار نشر مقال نزيه، الذي كان في «أيام عزّه» يضفي على المعرض شيئاً من النجاح، أو السقوط بضربة قاضية. فـ«نيّال» مَن حاز إعجابه، والله يعين من صبّ عليه نار غضبه! لم يكن مهادناً، ولا مداهناً. لذا، أحبّه كثيرون وعاداه آخرون، لكنه كان دائماً متمسكاً باقتناعاته، فارضاً نفسه مرجعاً أساسياً في الساحة الفنية العربية. على الرغم من ثقافته الفرنسية، تميّز نصّه العربي الفصيح بخصوصية السهل الممتنع، وإن كان أقرب إلى التلميح والغموض والتأويل والتلغيز منه إلى الوضوح.

تعاونّا على عدد من المعارض، حيث كلّفته بكتابة العديد من النصوص، كان أبرزها دراسته «كأنّ هناك فناً عربياً» التي وضعها لمعرض «محترفات عربية» سنة 2001. من الأنشطة الثقافة للقمة الفرنكوفونية، بقيت هذه الدراسة إلى يومنا هذا، مرجعاً أساسياً في فهم الحداثة العربية التي عايشها من ستينيات القرن الماضي إلى بدايات الألفية الحالية.
برحيله تفقد بيروت رائداً من رواد حداثتها، وركناً من أركان نهضتها وطليعيتها في النصف الثاني من القرن العشرين. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
* صاحب «غاليري أجيال»، بيروت