اشترط وزير الدفاع التركي وقف دعم الولايات المتحدة لقوات «قسد» لإيجاد حلٍّ لقضية «أس-400»
لكن النفي الأميركي لم يقع موقعاً في آذان الأتراك؛ إذ بادرت أقلام كثيرة إلى كشف ما وراء كواليس انقلاب 15 تموز، بالقول إن بايدن كان في زيارة لتركيا في منتصف كانون الثاني/ يناير 2016 (قبل الانقلاب بستة أشهر)، حيث التقى بأعضاء ينتمون إلى جماعة فتح الله غولين. وقد نقل أحدهم عن نائب الرئيس الأميركي، في حينه، قوله لابن الصحافي جان دوندار الذي هُرِّب إلى ألمانيا بعد الكشف عن شحنات الأسلحة التركية إلى سوريا: «هذا الرجل (إردوغان) لا يصغي إلينا. لكن رائحة تنبعث داخل القوات المسلحة التركية». حتى وزارة الخارجية التركية دخلت، في مسألة انتقاد الغرب لأحداث جامعة «بوغازيتشي»، على الخطّ ببيان وصفه الكاتب المعروف مراد يتكين وآخرين، بأنه»حربي» ولا يمتّ إلى تقاليد اللغة الدبلوماسية بصلة.
بادرت تركيا إلى اتهام أميركا مجدّداً، بعد أقلّ من أسبوعين من وصول بايدن إلى السلطة، وبعدما أطلق مسؤولو إدارته مواقف سلبية تجاه أنقرة في أكثر من موضوع. وتعتمد هذه الأخيرة سياسة الهجوم كخير وسيلة للدفاع؛ إذ يُعتقد على نطاق واسع أنها، مع اتهامات صويلو، تستهدف أكثر من عصفور بحجر واحد:
في الهدف الأوّل، إحراج واشنطن لتسليم أنقرة الداعية فتح الله غولين الذي غادر عام 1999 تركيا إلى الولايات المتحدة، ولا يزال مقيماً من حينه في ولاية بنسلفانيا. ويكتب نديم شينير، في صحيفة «حرييت»، أنه إذا كانت أميركا فعلاً غير متورّطة في الانقلاب، فعليها أن تسلّم غولين. ولكنه يقول إنها لم تُسلّمه لأنها تخاف ممّا سيكشفه من أدوار لها. وفي صلة بهذا الموضوع، حذّر وزير الدفاع التركي من نشاط جماعة غولين في ألمانيا. وقال، في حوار مع صحيفة «حرييت»، بعد عودته من برلين، إنه حذّر نظيرته الألمانية، آنغريت كارينباور، من أن جماعة غولين تعمل في بلادها، وأن الحكومة لا تعرفهم ولا كيف يعملون، وأنه بعد خمس سنوات سيجلبون البلاء لألمانيا.
وفي الهدف الثاني، فإن الاتهام التركي لأميركا جاء بعد تعاظم حركة الاحتجاجات في جامعة «بوغازيتشي» على خلفية تعيين إردوغان عميداً جديداً للجامعة من خارج كادرها التعليمي وموالياً له. وتركيا منزعجة خصوصاً من احتضان الإعلام الغربي للاحتجاجات، بل إن وسائل الإعلام الموالية لـ»حزب العدالة والتنمية» بدأت تتّهم الأميركيين بمحاولة خلق «انتفاضة غيزي» ثانية، بعد الأولى التي حصلت في حزيران/ يونيو 2013، وذلك بإيعاز من بايدن. ويكتب إبراهيم قره غول، في صحيفة «يني شفق»، أن الذراع الداخلية للمحاولات الجديدة ضدّ إردوغان تضمّ «حزب العمال الكردستاني» (يقصد «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي) و»حزب الشعب الجمهوري» و»الحزب الجيّد» وجماعة فتح الله غولين). والهدف، كما يقول، وقف صعود تركيا وتجربة وسائل جديدة لإسقاط رئيسها، وفرض الوصاية من جديد عليها وحبسها في داخل الأناضول.
ويستهجن الكاتب برهان الدين دوران، في صحيفة «صباح»، «القلق» الذي تبديه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إزاء أحداث جامعة «بوغازيتشي». ويقول إن أميركا وفرنسا وبريطانيا يجب أن تنظر أوّلاً إلى ما جرى فيها قبل فترة، سواء ما يتعلّق بـ»السترات الصفر» في فرنسا، أو الهجوم على مبنى الكونغرس الذي وصفته واشنطن نفسها بأنه محاولة انقلابية وتمرّد وعمل إرهابي. ويضيف دوران أن هؤلاء يعرفون أن احتجاجات «بوغازيتشي» أصبحت رهينة اليسار المتطرّف، وبتحريض من خارج الجامعة، وأن ما تفعله الدولة في تركيا يستهدف ضرب التحريض، وليس الطلاب أنفسهم، وعلى الغرب أن يتخلّى عن إعطاء دروس في الديموقراطية.