طمأن وزير الطاقة ريمون غجر إلى أن «لبنان ليس ذاهباً إلى العتمة». لكن هذا التفاؤل لم يمنع مؤسسة كهرباء لبنان من القيام بإجراءات احتياطية تضمن عدم الدخول فعلاً في العتمة. تقول مصادر معنية إن مخزون الفيول يكفي، بالطاقة الكاملة للمعامل، حتى العشرين من شباط، وبالتالي إذا لم تتأمن هذه المادة قبل ذلك التاريخ فإن التغذية ستنخفض بشكل كبير. عملياً، كل المعامل الأساسية قلصت إنتاجها، بما أوصل إجمالي الانتاج حالياً إلى 1200 ميغاواط بدلاً من 1600 ميغاواط. وهذا يقود إلى زيادة التقنين في بيروت وخارجها ثلاث ساعات. «الإنتاج المتحفّظ» مفهوم بالنسبة إلى المصادر، على اعتبار أن تراجع التغذية قليلاً أضمن من الوصول إلى انقطاع تام.
(هيثم الموسوي)

ولذلك، كانت البواخر التركية قد أطفأت ربع مولداتها، بما أدى إلى تراجع إنتاجها نحو 100 ميغاواط، وكذلك قُلصت ساعات الإنتاج في معمل دير عمار، ريثما تصل شحنة «الغاز أويل» من الكويت في 22 شباط، فيما حافظ معمل الزهراني على طاقته الانتاجية. وبالرغم من انخفاظ إنتاج معملي الزوق والجيّة الجديدين نحو 50 في المئة، إلا أن السبب لم يكن التوفير في الفيول، بل حاجتهما إلى قطع غيار وزيوت لم يتم تأمينها بانتظار فتح اعتمادات بالدولار.
مع ذلك، فقد طلبت كهرباء لبنان من البواخر التركية، أمس، إضافة توربين جديد إلى الشبكة، بما أوحى أنها صارت أكثر اطمئناناً إلى عملية تأمين الفيول. وهذا يعود إلى عدة عوامل، أبرزها موافقة العراق رسمياً على تزويد لبنان بـ500 ألف طن من الفيول. وبالرغم من أن الملف صار على سكة التنفيذ، إلا أن وزير الطاقة ريمون غجر أبلغ «الأخبار» أن تفاصيل العقد لم تنجز بعد، وهي قيد التفاوض مع الجانب العراقي، بمعنى أنه لم يتم تحديد السعر، ولا طريقة التسليم ولا كيفية استبدال الفيول الأسود بالفيول الذي يناسب المعامل اللبنانية. لكن غجر أكد أن هذه الأمور لن تأخذ وقتاً، بعد أن تحقق الأساس، أي موافقة مجلس الوزراء العراقي.
إذا كان الاتفاق مع العراق سيضمن حصول لبنان على ربع حاجته من الفيول أويل بفئتيه (تحتاج المعامل إلى مليون طن من الفيول grade B ومليون طن من الفيول grade A)، فإن المطلوب البحث عن تأمين الكمية الباقية. وإلى حين اتفاق وزارة الطاقة مع إدارة المناقصات على الشروط التي تسمح بإطلاق المناقصة، وبعد أن أقفل ملف التعاون مع سوناطراك نهائياً (من دون أن يتضح المسار القضائي)، لم يبق سوى اللجوء إلى عقود Spot cargo. وهذا خيار لم يكن قد جُرّب قبلاً، إلا في إطار تأمين منشآت النفط لمادتي المازوت والبنزين بأسعار تنافسية. وإذا كانت وزارة الطاقة توقعت أن تجد في الأسواق الفيول المخصص لمعملي الزوق والجيّة القديمين (Grade A)، فإنه كان يُخشى عدم التمكّن من إيجاد الفيول المخصّص للبواخر التركية ومعمليْ الزوق والجية الجديدين (Grade B) بسبب مواصفاته المرتفعة. لكن أمس تبيّن أن هذه الخشية لم تكن في محلها. فبعد أن كانت مديرية النفط أطلقت في 26 كانون الثاني مناقصة للحصول على 35 ألف طن من هذا النوع من الفيول، أقفل باب التقديم أمس، وتبين وجود عرضين، كان الفائز بينهما عرض شركة ELINOIL اليونانية، التي يفترض أن تسلم الشحنة ما بين بين 17 و22 شباط الحالي. هذا النجاح طمأن وزارة الطاقة إلى إمكان تأمين الاستقرار في إمدادات الفيول إلى المعامل، إلى حين توقيع عقد طويل الأمد، علماً بأن مديرية النفط سبق أن أطلقت، في 14 كانون الثاني الماضي، مناقصة لشراء 70 ألف طن فيول Grade A. ومع إقفال باب التقدم في 21 من الشهر نفسه، كانت ثلاث شركات قد قدمت ملفاتها: شركة «ليتاسكو» الذراع التسويقية لشركة «لوك أويل» الروسية، وشركة ELINOIL وشركة ZRenergie اللبنانية (آل رحمة)، إلا أن الأخيرة هي التي فازت بالمناقصة، بعد انسحاب «ليتاسكو»، ويفترض أن تصل الشحنة الأولى قبل 15 شباط.
شركة يونانية تفوز بأول مناقصة spot cargo لتأمين فيول Grade B


أما بشأن مادة الغاز أويل، فلا تزال تؤمن من خلال العقد الموقع مع شركة النفط الكويتية، التي يفترض أن تستمر في تأمين هذه المادة حتى نهاية شهر آذار، على أن يتم بعدها ضم هذا النوع من الفيول إلى مناقصات السبوت كارغو، علماً بأن لا قلق لدى الوزارة بشأن تأمين هذا النوع، نظراً إلى وفرته في الأسواق.
وهذا النجاح في الحصول على الفيول عبر المناقصات الفورية انعكس أيضاً وفراً مادياً لمؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي للخزينة العامة، حيث يتم الحصول على عروض بأسعار تنافسية. وعلى سبيل المثال، فإن عرض ZRenergie تضمن «بريميوم» (كلفة شحن وتأمين وأرباح…) بقيمة 22.2 دولاراً للطن، في حين كان هذا «البريميوم» يقارب 30 دولاراً للطن في العقد الموقع مع سوناطراك. وهو أمر لفت إليه وزير الطاقة بعد زيارته رئيس الجمهورية، حيث أعلن أن كل شحنة «سبوت كارجو» تؤمن وفراً على الخزينة يصل إلى 500 ألف دولار، ما يعني توفير مليوني دولار شهرياً.
بحسب مصادر «كهرباء لبنان»، فإن الثبات في تزويد المؤسسة بالفيول لن يكون كافياً لرفع الإنتاج إلى مستوياته العليا. فهي تضع في الحسبان أيضاً الأسعار العالمية للنفط، وإمكانية أن لا تكفي السلفة المخصّصة للمؤسسة لتأمين حاجتها من الفيول.

مناقصات «الفيول أويل» تحقق وفراً بقيمة مليوني دولار شهرياً


في موازنة 2020، سبق أن خُصص مبلغ ألف و500 مليار ليرة لهذه الغاية (تجددت بفعل القاعدة الاثني عشرية، كما تضمن مشروع موازنة 2021 المبلغ نفسه)، ونظراً إلى انهيار أسعار النفط إلى ما دون عشرين دولاراً للبرميل، فقد فاض هذا المبلغ عن حاجة المؤسسة. ولذلك، هي لا تزال تنفق منه لتأمين حاجتها من الفيول، حتى بعد انتهاء الشهر الأول من العام الجديد. لكن وصول أسعار النفط إلى 58 دولاراً للبرميل، جعل المؤسسة تقلق مجدداً. بحسب دراساتها، فإن مبلغ المليار دولار، في حال استمر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات الدولارية للمؤسسة، يمكن أن يكفي حاجتها إذا وصل سعر النفط إلى 45 دولاراً للبرميل. والعجز يمكن أن يصيبها إذا زاد عن هذا الحد، وهو ما يتوقع أن يحصل إذا ما استمرت هذه الأسعار في الارتفاع، ما ستتعامل معه المؤسسة من خلال الاستمرار في تقنين الإنتاج.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا