لم تكد هيئة التنسيق النقابية تحسم قرارها بالانتفاضة، وتعلن مقاطعتها للنواب المعارضين لسلسلة الرتب والرواتب، حتى سارع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى محاولة احتوائها.
مساء اول من امس، أوفد بري النائب علي بزي إلى مقر الهيئة محمّلا برسالة مفادها: يريد الرئيس بري أن يتعاون معكم، مستمهلاً إياكم حتى مساء الأحد، وهو يتعهد شخصياً إنجاز المشروع في اللجان النيابية المشتركة، تمهيداً لعرضه على الهيئة العامة للمجلس النيابي وإقراره بداية الأسبوع المقبل، بما يضمن إعطاء الحقوق كاملة مهما بلغت كلفة السلسلة، لكن عليكم ان تعلّقوا كل خطواتكم التصعيدية.
لم توافق هيئة التنسيق النقابية على تعليق تنفيذ قرار الاضراب والاعتصام (امس)، الذي اتخذته مجالس المندوبين والجمعيات العمومية مباشرة، لكنها نزلت عند رغبة «المايسترو» بتعليق الخطوات التصعيدية اللاحقة في انتظار الإثنين المقبل. مع ذلك، بما أنّه لا شيء يؤكد ضمان الحقوق في السلسلة حتى الساعة، وبما أنّ الباب سيكون مفتوحاً على كل الاحتمالات، كما يحصل منذ 30 شهراً، بقي الرهان على النفس الطويل للمعلمين والموظفين لمتابعة المعركة في وجه محاولات تدجين تمارسها قوى سياسية، باتت «محشورة» أمام محازبيها مع كل يوم تنكشف فيه فضائح هدر وفساد جديدة.
على أي حال، ليست المرة الأولى التي يحاول فيها بري فيها احتواء تحركاً نقابياً. رئيس المجلس «مايسترو» في ضبط الشارع أيضاً. فعلها قبل ذلك ليلة 20 ـ21 آذار الماضي، حين بعث المكتب التربوي المركزي في حركة أمل إلى المتظاهرين على مفرق القصر الجمهوري، من أجل المطلب نفسه، برسالة نصية «متأخرة» تدعوهم إلى الاستعاضة عن الإضراب والاعتصام بالجمعيات العمومية في الثانويات والمدارس. يومها، قدم بري ضمانة إحالة السلسلة على المجلس النيابي، فيما لم تمتثل قواعد الحركة للتشويش الليلي لخرق التظاهرة. وفي نيسان 2012، علّق بري أيضاً إضراباً لمتعاقدي التعليم الأساسي الرسمي دام أسبوعاً كاملاً، بلقاء لم يتجاوز ثلاثة أرباع الساعة خرج بعده المتعاقدون يهتفون بحياته.
بعد زيارة بزي لهيئة التنسيق، سارع بري إلى دعوة اللجان المشتركة إلى اجتماع عقد أمس. وكان قد أجرى اتصالاته بالكتل النيابية، مبلغاً إياها أنّه سيطرح السلسلة على الهيئة العامة، فقوبل بمعارضة مطلقة من النائبين وليد جنبلاط وفؤاد السنيورة، ما ينسف الإقرار العلني للقوى السياسية من دون استثناء بالحقوق.
الرفض الضمني للسلسلة ترافق مع إحراج البعض أمام قواعد المعلمين والموظفين مع تهديد هؤلاء بالاستقالات من أحزابهم، ما دفع القوى إلى إسناد مهمة «تفجير» السلسلة إلى جنبلاط غير المُحرج عملياً أمام قاعدته، فكلّف بدوره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تقديم شهادة «غب الطلب» في جلسة اللجان المشتركة، مهوّلاً بخفص التصنيف الائتماني للبنان والتضخم، كأنّ السلسلة باتت السبب الوحيد لكل المشكلات الاقتصادية في البلد. سلامة بقي يردد أن «خزينة الدولة قادرة على تحمل 24 بالمئة سنوياً من أكلاف السلسلة من دون تعريض العملة لاهتزازات».
التيار الوطني الحر الذي بدأ المعركة داعماً للسلسلة انتهى به الأمر إلى وقوفه ضدها، وكاد النائب ابراهيم كنعان يكون وحيداً مع المشروع خلال الاجتماع الأخير لتكتل الإصلاح والتغيير.
وسط هذه الأجواء الضبابية، أبدت مصادر وزارية خشيتها من استمرار مماطلة المجلس النيابي في ملف سلسلة الرواتب. وقالت إنّ جميع المناقشات الجارية الآن في اللجان المشتركة لم تحرز أي تقدم بشأن البنود الخلافية المتعلقة بالإيرادات.
ولفتت المصادر إلى أنّ جهات نيابية، أبرزها كتلة المستقبل، ويتحدث باسمها الرئيس السنيورة تعارض إقرار السلسلة كما وردت من اللجنة النيابية الفرعية، مطالبة بادخال تعديلات كبيرة على السلسلة كما على البنود الضريبية.
ووصفت ما يجري بأنه «عملية احتيال على الرأي العام وعلى المعنيين بالسلسلة، وحيث لا توجد مؤشرات إلى امكان توصل اللجان المشتركة إلى قرار».
وتوقعت المصادر أن يدعو الرئيس بري إلى هيئة عامة للمجلس النيابي، الثلاثاء المقبل، بقصد اتخاذ القرار النهائي، ولو من دون توصل اللجان المشتركة إلى حل، حيث سيصار عندها إلى إحراج جميع القوى التي تقول في الاعلام عكس ما تقوله في الاجتماعات المغلقة.
وكشفت المصادر عن محاولة من السنيورة لإقناع رئيس الحكومة تمام سلام بالمبادرة إلى طلب استرداد مشروع القانون إلى الحكومة. ومع أنّ سلام أبدى تحفظا، إلاّ أنّه عاد وأجرى مشاورات مع كتل سياسية ممثلة داخل الحكومة، وأُبلغ اعتراض غالبية وزارية على أي اتجاه لاسترداد المشروع، ما دفع سلام امس إلى إبلاغ السنيورة أنّ الحكومة لن تسترد المشروع تحت أي ظرف، وأن الحكومة سوف تمتنع عن المشاركة حتى في مناقشات اللجان المشتركة، لان الملف صار من مسؤولية المجلس النيابي.
وتحدثت المصادر عن احتمالين، إما أن تقر الهيئة العامة المشروع، لكن بعد ادخال تعديلات جوهرية، أو أن يعلن رئيس المجلس تأليف لجنة نيابية – وزارية تتولى درس البنود الخلافية خلال مدة زمنية قصيرة.
في المقابل، أنذرت هيئة التنسيق، بعد اعتصامها في ساحة رياض الصلح، بالعودة إلى التصعيد ابتداءً من الإثنين المقبل، إذا لم يترجم المجلس النيابي الحقوق إلى أرقام بما يضمن إقرارها في السلسلة من دون خفض أو تجزئة أو تقسيط وبنسبة 121% على رواتب 2008، أسوة بالقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية، وبما يحفظ الحقوق المكتسبة للأساتذة والمعلمين والقطاعات الإدارية والوظيفية كافة. وتمسكت الهيئة بالسير وفق خطين متوازيين: خط الاتصالات والمفاوضات من جهة، والتلويح بالإضراب المفتوح ومقاطعة الامتحانات الرسمية من جهة ثانية، مطالبة الكتل النيابية كافة بالوفاء بوعودها والوقوف الى جانب حقوق الناس المشروعة، وإقرارها كاملة قبل نهاية الاسبوع. كذلك فقد جددت رفضها لفرض الضرائب على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، عبر اصرار البعض على زيادة الضريبة على القيمة المضافة، أو عبر رفع الرسوم الجمركية على السلع الإستهلاكية، أو عبر رفع تعرفة الكهرباء، او اي وسيلة لسد عجز الخزينة المتزايد جراء سياسات المحاصصة في الإنفاق، وتغطية تكاليف خدمة الدين العام، والهدر والفساد والصفقات والتهريب وضعف الجباية، حيث تكمن موارد تمويل السلسلة.
أمس، التزمت معظم الإدارات العامة إضراب هيئة التنسيق باستثناء بعض الموظفين الذين سيّروا معاملات إدارية ضرورية. أما نسبة الاستجابة في المدارس الخاصة، فلم تكن كبيرة، ولا سيما في مدارس المؤسسات التربوية التابعة للجمعيات الدينية، والأحزاب السياسية، بعكس الإضراب الأخير.