المُشكلة ليست في وجود عقدة واحدة تؤخّر تأليف الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري، بل بأنّ «مجموعة العقد» لم تُحلّ بعد، ما يدفع جهات رئاسية تُشارك في المفاوضات إلى الحسم: «الحكومة لن تُبصر النور قريباً». هذه النفحة من السوداوية تُشكّل خلاصة الاتصالات المُستمرة بين القوى الرئيسية في الساعات الماضية، من دون أن تكون مُنزَلة. فكما كلّ الأحداث في لبنان، من المُمكن أن يطرأ على المشهد مُعطيات تؤدّي فجأةً إلى صدور التشكيلة الحكومية. مثلاً، قد لا يكون ما نشرته صحيفة «المدينة» السعودية أمس «مؤشراً رئيسياً» يُبنى عليه، لكنّه يُعبّر عن وجهة نظر داخل المملكة. فما كُتب أنّ «المرحلة تتطلب وجود الحريري، لا غيره، على رأس الحكومة المقبلة، بالنظر إلى تمتّعه بعلاقات دولية واسعة وثقة لدى المؤسسات الدولية والدول ذات الثقل الاقتصادي، وعلى رأس أولئك روسيا والولايات المتحدة. كلّنا أمل بأن یتخطّى الحریري معضلة صعوبة تألیف الحكومة، ویتعاون معه الذین لم یُسمّوه لیجتاز لبنان مرحلة الخطر». وأضافت الصحيفة إنّ «الوقت قد حان للتوافق الوطني ووضع الكتف على الكتف للخروج من الأزمة، رغم التحدیات التي ستواجه الحریري، والتي تتعلق بكیف ستكون آلیة التوافق على تعیین الوزراء».«الأمور جيّدة، من دون المبالغة في الإيجابية»، قال الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله في الكلمة التي ألقاها أمس. إشارته إلى عدم المُبالغة بالتفاؤل تأتي بعد أيام من تسريب أجواء ومعطيات لا تتطابق تماماً مع الواقع، «من دون أن يُفهم لماذا تقديم آمال كاذبة للرأي العام»، تُعلّق مصادر مُتابعة لعملية التأليف، مُضيفةً إنّه بعدما كان رئيس الجمهورية يتولّى المفاوضات علناً نيابةً عن التيار الوطني الحرّ، «دخل النائب جبران باسيل في الساعات الأخيرة على الخطّ مباشرةً».
تنفي المصادر أن يكون حزب الله قد تحدّث عن مُبادلة حقيبة الصحة بالتربية


بداية العثرات من عدد الوزراء غير المُتّفق عليه. الرئيس ميشال عون مُصرّ على أن تتضمّن الحكومة 20 وزيراً، فينال مُمثلو الطائفة الدرزية المُعارضون للحزب التقدّمي الاشتراكي مقعداً، ويُعطى مقعد آخر للطائفة الكاثوليكية. خصوم عون يتّهمونه بأنّه بهذه العملية يُريد ضمان الثلث المُعطّل في حوزته. في المقابل، يعتقد الحريري أنّ حكومة من 18 وزيراً هي الصيغة الأمثل، علماً بأنّ الجهات الرئاسية لا تعتبرها «عقدة حقيقية، بل تُحلّ فور الاتفاق على الأمور الأخرى».
العقدة الثانية هي في المُداورة بين الطوائف في الوزارات السيادية. خلافاً لكلّ الأجواء المُسربة، لم تُحلّ المسألة ببقاء وزارة المالية من حصّة الطائفة الشيعية، مقابل المُداورة في الحقائب السيادية الأخرى. رئاسة الجمهورية تعتقد أنّه إمّا المُداورة حقّ على الجميع، وإمّا يبقى التوزيع على ما كان عليه في الحكومات السابقة. إصرار «فريق العهد» على هذه النقطة سيخلق مشكلاً له مع كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي وسعد الحريري، وقد يُؤخّر التأليف أسابيع طويلة. ولكنّ القبول بالمداورة سيخلق أيضاً مُشكلة للحريري، إذ سيُشكّل مادّة لـ«المُزايدة السنّية» عليه. وقد بدأت الاعتراضات ترتفع حول «تسليم وزارة الداخلية إلى التيار الوطني الحرّ، مع بقاء وزراتَي الدفاع والعدل من حصّته». وقد بدأ الحريري يسمع أصواتاً «تنصحه» بأنّه لا يُمكن أن «يُسلّم» مع رئاسة الجمهورية ــــ التيار العوني، «وينسى» وجود رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، الذي يجب أن «يُرضيه» بحقيبة وإلا يُعرّض «الغطاء المسيحي» شبه الوحيد الذي يملكه للخطر. أما العقدة الثالثة فهي توزيع الحقائب الخدماتية، «من يحصل على حقائب الصحة والأشغال والطاقة...»، وتنفي المصادر أن يكون «حزب الله قد تحدّث عن مُبادلة حقيبة الصحة بالتربية، فهو لم يطالب بأيّ من الحقيبتين».
ما العمل إذاً؟ مُقرّبون من الحريري يؤكّدون أولاً «عدم نيّته الاعتذار». الرجل مُكمل في المهمّة التي «ناضل» لأجلها، وهو يبحث حالياً فكرة «تقديم تشكيلة من 18 وزيراً لرئيس الجمهورية، غير مُستفزين ومعروفين في مواقعهم، مُمكن أن يُطلق عليهم تسمية اختصاصيين، ولكنّهم في الوقت نفسه مُقرّبون من القوى السياسية». يشرح المُقرّبون أنّ الحريري «لن يقوم بذلك بخلفية فرض حكومة أمر واقع، على العكس من ذلك هو مُتمسّك بالإيجابية والتعاون مع الجميع، ولكنّ تشكيلته قد تُشكّل قاعدة تفاوض، بالنتيجة لا يُمكن أن يجلس مُنتظراً حلّ العقد من دون المُبادرة». وفي هذا الإطار، أشارت قناة «الجديد»، أمس، الى لقاء سرّي بين عون والحريري عُقد أول من أمس، لكنّ مصادر بعبدا تقول إنّه «لو حصل مثل هذا اللقاء لكنّا أعلنّا عنه بعد مغادرة الحريري».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا