إدارة الحكومة المتفلّتة لوباء "كوفيد - 19" تَسبّبت بالفعل بخسارة فادحة
وكان سوء الإدارة المتعلّق بـ"كوفيد - 19" قد بدأ مبكراً، بعدما أبلغت "منظمة الصحة العالمية" أعضاءها بانتقال المرض إلى مستوى الوباء في كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث تَلكّأت السلطات البريطانية في فرض الإغلاق، وأُبقيت المدارس والجامعات والمرافق العامة مفتوحة لغاية نهاية آذار/ مارس الماضي، الأمر الذي تَسبّب بانتشار جنوني للمرض، قضى على عدّة آلاف من المواطنين، وهي أرواح كان يمكن تجنيبها ذلك المصير لو اتُّخذ قرار الإغلاق مبكراً - كما في الصين (أقلّ من 4000)، وتايوان (6 وفيات) مثلاً -. وقد تبنّت الحكومة، وقتها، استراتيجية تُسمّى "مناعة القطيع"، من دون أن تتوفر لها معطيات علمية كافية عن طبيعة الفيروس المُسبّب للمرض، ومن دون أن تُهيّئ أدوات الحماية الشخصية للعاملين في القطاع الطبّي والقطاعات الحيوية الأخرى كالشرطة والنقل العام ومتاجر الأغذية والصيدليات، وفي ظلّ امتناعها عن توفير عدد كافٍ من أجهزة التنفّس اللازمة لغرف العناية الفائقة أو معدّات الفحص. وهي لاحقاً أخفت الحقائق في ما يتعلّق بأعداد الوفيات، متجاهلةً كارثة ألمّت بآلاف العجزة من نزلاء دور الرعاية الذين فتك بهم المرض، ولم تُضِف أرقام ضحايا تلك الدور إلى الرقم العام، ما منح السكان شعوراً مزيّفاً بمدى خطورة الجائحة. كذلك، لم تتّخذ أيّ إجراءات فاعلة للتعامل مع الانتشار الطبقي للمرض بين الفقراء والأقلّيات الدينية والعرقية (4 أضعاف ذوي البشرة البيضاء الأكثر ثراءً وتعليماً على العموم).
وعلى رغم تحذيرات العلماء والقائمين على التربية والتعليم من خطورة استئناف الدراسة على نحو اعتيادي مع بداية أيلول/ سبتمبر الحالي، فإن جونسون أصرّ على موقفه، الأمر الذي تَسبّب الآن في تصاعد متسارع في أعداد الإصابات (بحدود 4000 إصابة يومياً بعدما كانت قد هبطت بعد الإغلاق الأول إلى مستوى 200 حالة يومياً فقط) في ما وصفته الحكومة بالموجة الثانية من "كوفيد - 19". ويكاد جونسون يكرّر خطأ تأجيل الإغلاق مرّة أخرى هذا الأسبوع، إذ أعلنت حكومته أنها ستكتفي في مواجهتها الموجة الثانية بإغلاقات محلية للمدن والبلدات، والاكتفاء بفرض عقوبات باهظة على مَن يلقى القبض عليهم في حالة مخالفة لأحكام تباعد اجتماعي تفرضها الحكومة (10 آلاف إسترليني)، مع توجّه لرشو المواطنين إن هم أَبلغوا عن مخالفات جيرانهم وزملائهم. ويأتي ذلك في الوقت الذي تستعدّ فيه الطبقة العاملة لليوم التالي لانتهاء حزمة المساعدات الاجتماعية والحماية المؤقتة من البطالة والإخلاء التعسّفي من المساكن المستأجرة، وهي حزمة ترفض الحكومة تجديدها، ما يهدّد بدفع عدة ملايين من المواطنين إلى التشرّد في الطرقات وإغراق النظام القضائي بالدعاوى.
ووفق خبراء قانونيين وأكاديميين نُشرت مقالاتهم في مجلات ومواقع أكاديمية مرموقة (انظر مثلاً موقع المبادرة العالمية حول جرائم الدول ISCI)، فإن سوء إدارة الكوارث الطبيعية يمكن معاملته كما جرائم التعذيب والإبادة والحرب، أي "جرائم دولة"، قد تُعرّض النظام وكوادره للعقوبات والملاحقة. مع ذلك، فإن جونسون - أقلّه إلى الآن - يبدو في حماية حديدية من العزل، نظراً إلى تمتّع حزبه بالأغلبية البرلمانية لدورة انتخابية ستستمرّ لأكثر من أربع سنوات قادمة - وهو حزب معروف بتقديمه مصالح النخبة على المصالح العامة -، وخضوع القضاء البريطاني والصحافة بأكملها لهيمنة الجناح التنفيذي للسلطة، كما انعدام وزن المعارضة، ولا سيّما حزب العمال الذي انحرف بشكل حادّ نحو اليمين بعد خسارته الانتخابات الأخيرة في عهد رئيسه اليساري السابق جيريمي كوربن، وغياب تمثيل حقيقي للطبقة العاملة يمكن أن يتحدّى الحكومة في المحاكم الدولية.
ولعلّ الفرصة الوحيدة التي يعوَّل عليها الآن للتخلّص من شخص جونسون - دون حاشيته -، هي تلك الأنباء عن توسّع أعداد المشتركين في "مؤامرة داخلية" بين كوادر الحزب الحاكم، تحاول الاستفادة من "بهلوانيّات" الرئيس لإطاحته، وتصعيد رئيس (محافظ) بديل يكمل ما تبقى من الفترة الانتخابية. وعلى الأغلب، فإن هؤلاء لن يتحرّكوا قبل نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، لترك جونسون يراكم مزيداً من الأخطاء في إدارة ملف "بريكست"، وكذلك لتبيّن نتائج موجة "كوفيد - 19" الثانية.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا