لم تستفق بيروت، بعد، من هول انفجار مرفئها. فحتى مع اليوم السادس لما بعد الكارثة، لا تزال المدينة تلملم أشلاء ساكنيها، المفقود تلو الآخر. وهي، لم تتفرغ بعد لتعداد ما خلّفه الإنفجار من دمار، لا سيما ذلك الذي طال المباني والتي سُوّي عدد كبير منها بالأرض. أشلاء ناس وأشلاء بيوت تعدّها بيروت في كل يوم. في الشق الأول، لامس عدّاد الضحايا الـ160، فيما لم ترس الحصيلة على عدد محدّد في الشق الآخر. فإلى الآن لا تزال المعلومات التي ترد عن المباني محصورة في إطار التقديرات. وعلى سبيل التقدير، يشير محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، إلى أن هناك ما لا يقل عن 8 آلاف وحدة متضررة بشكلٍ كبير وغير صالحة للسكن، وهو رقم مرشّح للإرتفاع، خصوصاً إذا ما أخذنا في الإعتبار أن العدد المطروح يشمل السكني فقط.خارج هذه الأرقام، ثمة بيوت كثيرة لم تعد مسكونة منذ زمن. هجرها أصحابها، لكنها بقيت جزءاً أساسياً من ذاكرة بيروت وتاريخها. وفي الإنفجار الأخير الذي عصف بالمدينة، طال الدمار معظم البيوت الأثرية، وإن بدرجات متفاوتة. إلى الآن، لا أرقام يمكن إيرادها عن عدد تلك المباني التي تضررت، وكل ما يمكن قوله بناء على مسوح أولية - نظرية، أن 90% من الأبنية التراثية الموجودة شرق العاصمة بيروت تضررت، وبدرجة أقل الجزء الشمالي لجهة منطقة الصيفي، بحسب رجا نجيم، الناشط في التجمع للحفاظ على الأبنية التراثية. ويمكن تفصيل تلك الأضرار وفق ثلاثة مستويات أساسية: أضرار خفيفة (تحطم زجاج وأباجورات) وأضرار متوسطة (تضرر بلكونات أو سقوطها وأحجار الواجهات) وأضرار كبيرة قد تصل حدّ انهيار جزء كبير من المنزل أو أجزاء أساسية فيه.
90% من الأبنية التراثية الموجودة شرق العاصمة بيروت تضررت


إلى الآن، تستند هذه التقديرات إلى المسوحات «النظرية» التي قامت بها جهات عدة من جمعيات إلى مهندسين إلى المديرية العامة للآثار التي أجرت مسحاً أولياً لثلاثة شوارع أساسية هي الجميزة ومار مخايل وباستور. ويضاف إلى ذلك، مسحان آخران قام بهما فريق الهندسة في بلدية بيروت وفريق آخر من المهندسين من شركة خطيب وعلمي.
ولأن المسح التفصيلي يتطلب جهداً ووقتاً، جرى العمل على تشكيل لجنة هي أشبه بـ«إطار جامع مساعد»، على ما يقول المهندس راشد سركيس، من أجل إجراء مسح شامل للأبنية كافة، تراثية وغيرها، من الزاوية الهندسية لتوفير «المعلومات اللازمة لمعرفة تصنيف مستوى الإصابات تمهيداً لعزل ما يشكل خطراً على السلامة العامة وتدعيم ما هو آيل للسقوط»، يقول سركيس. هذا في المبدأ العام. أما بالنسبة إلى الهدف الذي على أساسه قامت هذه اللجنة - أو المفترض - فهو أولوية «الدفاع» عن الأبنية «التقليدية»، على ما يقول نقيب المهندسين جاد تابت، لناحية الحفاظ عليها، على ان تكون «الأولوية للتدعيم لا الهدم». وفي هذا الإطار، يتحدث تابت عن مسارين أساسيين لعمل اللجنة التي تداعت للاجتماع في اليوم التالي للإنفجار، يتلاقيان في الأصل مع الهدف الأساس. في المسار الأول، وهو المسار السريع المتعلق بالكشف على الأبنية التي تحمل خطر انهيارها بشكل كامل أو أجزاء منها، والتي يقدّرها تابت بما بين 50 و60 مبنى، معظمها من الأبنية التقليدية. ومن المفترض ألا يطول العمل على ذلك أكثر من أسبوع، على أن يتبع تلك الخطوة تدعيمها في مرحلة أولى قبل ترميمها. أما المسار الآخر، فيتعلق بالكشف على كافة أضرار المباني التي طالها التفجير، تراثية كانت أم عادية. وفي هذا الإطار، يؤكد تابت أن الأولوية بالنسبة للبيوت التقلدية هو «تدعيمها وترميمها». وهو هدف دونه الكثير من المعارك، خصوصاً في ظل «استشراس» أصحاب تلك البيوت لاستكمال ما بدأه الإنفجار. فبعد أقل من يومين على التفجير، سُجلت محاولة من مالكي «بيت البستاني» لتهديمه. المعركة هنا هي في إقناع الجهات «الرسمية» - قبل المالكين - بضرورة الحفاظ على تلك المباني. ثمة مبدأ أساسي هنا، أنه «أياً كانت درجة الضرر، يمكن ترميم البيوت التراثية»، يقول رجا نجيم، الناشط في التجمع للحفاظ على الأبنية التراثية. بعبارة أخرى «ما في شي اسمو بيت تراثي للهدم». وهذه مسلّمة ستنطلق منها معركة الحفاظ على تلك الأبنية، وإن بقي ذلك رهناً بـ«النوايا».

(هيثم الموسوي)

بالعودة إلى اللجنة التي تشكّلت تحت مظلة نقابة المهنسين، فقد ضمت إلى المهندسين ممثلين عن عدد من الوزارات (الثقافة والأشغال العامة والدفاع) وبلدية بيروت والهيئة العليا للإغاثة. وقد عقدت أول اجتماعاتها في مقر النقابة. وفي هذا الإطار، يشير تابت إلى أنه سجّل إلى الآن 600 مهندس باختصاصات متنوعة للتطوع في عملية الكشف. ولفت إلى أنه جرى تقسيم المساحة إلى «90 مقاطعة»، على أن تتولى كل مقاطعة لجنة مؤلفة من عدد من المهندسين ويرأسها مهندس أساسي، «وهناك الآن حوالى 40 لجنة جاهزة»، ولكن العمل ينتظر «معرفة الجهة الرسمية التي ستتولى الكشف، فهل هي بلدية بيروت؟ أم مخابرات الجيش؟ أم جهة ثالثة؟». ومن المفترض أن يحدد مجلس الوزراء اليوم هوية الجهة المكلفة، على «أن نقوم نحن بتقديم المؤازرة»، يختم تابت.