«مساحة لبنان عشرة آلاف وأربعمائة... وطاريا». يفاخر آل حمية بهذه العبارة التي تأخذ فيها بلدتهم حصة من مساحة لبنان تقدر بـ52 كيلومتراً مربعاً. البلدة التي يحتضنها صنين غرباً وتعبر سهل البقاع وصولاً نحو بلدة طليا شرقاً تعيش اليوم أسوأ كوابيسها، مع محاولة الدولة تمرير قرار «خبيث» لـ«السطو» على مشاعات واسعة من جرودها وتحويلها من مساحات خضراء إلى مكان ترتع فيه الكسارات والمرامل. القرار يقضي بإدراج العقار الرقم 2865 المعروف باسم «الجرد» في المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات، بعد إصدار مذكرة ادارية نقلت بموجبها سلطة الوصاية على المشاعات الأميرية من البلدية الى وزارة المالية، في مخالفة واضحة لما ينص عليه القانون 3339 الصادر عام 1930. المذكرة لم تطل مشاعات طاريا فقط، بل «جرجرت» في طريقها مشاعات أخرى، منها تلك التابعة لبلدة العاقورة. ورغم اعتراض البلديتين، لم يحرّك أحد ساكناً، في وقت لا ضوابط مفروضة على عمل الكسارات والمقالع في ظل تعدد المرجعيات المانحة للتراخيص والأذونات على أنواعها.إلى الآن، لا يزال حق الانتفاع والارتفاق في العقار المذكور «عائد لعموم أهالي قرية طاريا»، بحسب قيود السجل العقاري، ما يمنع قانوناً أي استثمار خارج انتفاع اهالي طاريا، ويدحض الاشاعات بتنازل البلدة عن العقار لمصلحة وزارة المال. ولئن كان المخطط التوجيهي لم يدخل حيز التنفيذ بعد، إلا أن النية لطرحه في أقرب جلسة لمجلس الوزراء. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن تعديل المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات سيعرض على مجلس الوزراء خلال ايام، ما يعني ان البلديات التي اعترضت على المخطط سيتم النظر في اعتراضها، في حين ان تلك التي لم تعترض سيتم المصادقة على اقتراح تسمية جردها في المخطط التوجيهي.
اجتماعات ولقاءات عقدت في البلدة أخيراً لدرس الخطوات من اجل الاعتراض على الاقتراح. وقد تبلورت آلية العمل بتولي بلدية طاريا الشق القانوني والاداري، على ان يترافق ذلك مع اعتصامات اهلية. رئيس البلدية العميد رفعت حمية أكد لـ«الأخبار» الرفض القاطع لمقترح استثمار عقارات الدولة في منطقة طاريا العقارية في مجال المقالع والكسارات، «وقد بدأنا فعلياً في الإجراءات القانونية والادارية لإبطال الاقتراح».
ابن بلدة طاريا الدكتور علاء حمية، نائب رئيس المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال)، أوضح لـ«الأخبار» أن جرد طاريا من «أكبر جرود السلسلة الغربية وأغناها لجهة الغطاء النباتي والحرجي، ولكونه خزاناً استراتيجياً للمياه الجوفية وعدد كبير من الينابيع السطحية». ولفت الى أنه «في وقت تنصب فيه الجهود لزيادة الاستثمارات في جرد البلدة وتحويل جزء كبير منه الى محمية طبيعية، نفاجأ بهذا الاقتراح الذي لا يأخذ في الاعتبار الضرر الكبير الذي سيترتب عليه على المستويات البيئية والصحية كافة، علماً بأن المنطقة غير مؤهلة لجهة البنى التحتية لتحمل عمليات النقل اليومية».
مذكرة إدارية «غير قانونية» نقلت سلطة الوصاية على المشاعات الأميرية من البلدية الى وزارة المالية


من جهته، اعتبر النائب إيهاب حماده أن مدير عام الشؤون العقارية جورج المعراوي استند في موضوع استثمار عقارات الدولة في بلدة طاريا في مجال الكسارات والمقالع الى فقرة في كتاب وزارة البيئة رقم 5005 / ب 2019 تاريخ 18/11/2019 تشير الى موافقة مجلس الوزراء في قراره الرقم 1 تاريخ 17/9/2019 على مشروع المرسوم الرامي الى تعديل رقم 8083 /4/10/2002 «وهذا غير صحيح، إذ إن مجلس الوزراء لم يقر ذلك قطعاً». وشدد حماده على «اننا ندعم اهالي البلدة في رفضهم استثمار جردهم في مجال المقالع والكسارات، وأي عمل خارج هذا الاطار هو اعتداء على ملكية تعود لعموم اهالي البلدة».
تجدر الاشارة الى ان الاقتراحات التي طالت المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات تصب جميعها في خانة توجيه الكسارات والمقالع والمرامل الى البقاع والسلسلتين الشرقية والغربية تحديداً، الامر الذي سيدر المليارات على المتنفذين واصحاب الاستثمارات، في حين لن تنال بلاد بعلبك الهرمل والبقاع، بالنظر الى تجربة عمل المقالع والكسارات، إلا الخراب والدمار في بيئتها وبنيتها التحتية... المنعدمة الوجود أساساً.