لم يترك رئيس حزب التيار العربي شاكر البرجاوي شاشة تلفزيونية، في اليومين الماضيين، إلّا ظهر عليها. بدا كمن يستعيد مبادرةً خسرها يوم خرج من مكتبه في ساحة أبو شاكر، في قلب الطريق الجديدة، قبل أقل من عامين. في المرة الماضية، خرج «أبو بكر» من المنطقة التي ولد وترعرع وقاتل وأصيب فيها. أُحرق مكتبه، وسقط ضحيتان من محازبيه، بعد هجوم عنيف شنّه مسلحون من «جمعية التقوى» وتيار المستقبل وعدد من الإسلاميين.
ولم يعد خافياً على أحد أن الأجهزة الأمنية اللبنانية والجيش، وحتى قوى 8 آذار، غضّت النظر يومها عن الهجوم، علّ خروج البرجاوي بالطريقة تلك يوقف الحركات الاحتجاجية وقطع الطرقات الذي عمّ مناطق وجود تيار المستقبل، كردّ فعل على مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد في عكار برصاص الجيش.
الرواية عن الاشتباك الأخير لدى قوى 8 آذار والبرجاوي نفسه لا تختلف كثيراً عن تلك المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية. كلتا الروايتين تؤكّدان أن في الطريق الجديدة «قلوباً مليانة»، انتظرت حادثاً فردياً بين محازبين مقربين من البرجاوي وسرايا المقاومة من جهة، وبين سلفيين من المنطقة، لتشعل حرباً لا يبدو أن جولة فجر أمس ستكون الأخيرة فيها. حتى مصادر تيار المستقبل لا تخفي أن المنطقة ترقد فوق بركان، وباتت تتحدث عن وجود مجموعات سلفية تسرق الشارع منها.
قبل دقائق من السادسة مساء السبت، تلاسن رائد ع. وسمير م. (من حزب التيار العربي) وعلاء ر. وأشقاؤه (محسوبون على التيار السلفي) في منطقة زاروب الباشا، وسرعان ما تحول التلاسن إلى اشتباك مسلح، أصيب على أثره ف. س.، المقرّب من التيار السلفي بدوره.
لم تقف الأمور عند هذا الحد. بعد ساعة، حاصر مسلحون منزل رائد ع. وأمطروا البيت بالرصاص. بعدها عمد محازبو البرجاوي إلى الردّ بالنيران لتأمين خروج رفيقهم وعائلته. بعد منزل رائد ع.، توجّه المسلحون إلى منزل علي ف.، المقرّب بدوره من البرجاوي وسرايا المقاومة، ونُفّذ السيناريو نفسه، وتمكن الأخير من الخروج وعائلته من المنزل تحت غطاء ناري من محازبي التيار العربي. حادثة الهجوم على منزلي الأخيرين يعلّق عليها البرجاوي بالقول إنها من «ضمن سياق تهجير كل من يخالف تيار المستقبل والحركات السلفية الرأي، كما حصل قبل أشهر مع أبو سعيد شملة، الذي أخرج من منزله في اليوم الذي حاصر فيه مسلحون المفتي محمد رشيد قباني في جامع الخاشقجي، ولم يعد إلى بيته حتى الآن».
دخول الجيش إلى الحي الغربي بقي خجولاً ليل أول من أمس. وعند الساعات الأولى من فجر أمس، حشد السلفيون وتيار المستقبل أكثر من مئة مسلح، وبدأوا هجوماً على مكتب البرجاوي، لتندلع معارك بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقذائف الصاروخية في محيط المكتب، دامت أكثر من ساعة ونصف الساعة. وعلى ما تقول مصادر أمنية في قوى 8 آذار، فإن «مسلحي المستقبل والسلفيين لم يتوقّعوا أن يتم صدّ هجومهم»، و«بعد ردّ عناصر البرجاوي عليهم بدأوا بالتراجع». وتؤكّد مصادر أخرى أن الجيش اللبناني رفض الدخول إلى الحي أثناء الاشتباك، حرصاً على عناصره من نيران الطرفين، مفضّلاً الدخول بعد الاتفاق على الهدنة، ووقف إطلاق النار، والتوصل إلى تهدئة سياسية تسمح له بتوقيف مطلقي النار. وقد أدّت الاشتباكات إلى مقتل خليل الحنش، وسقوط أكثر من 14 جريحاً.
في الشكل، يشير أكثر من مصدر في قوى 8 آذار إلى أن محاولات نقل المعارك وخطوط التماس من طرابلس إلى بيروت، بعد ظهور ما يسمى بـ«قادة المحاور في الطريق الجديدة»، «هدفها إرباك الجيش في أكثر منطقة»، و«الضغط على حزب الله عبر الاستفراد بحلفائه، واستفزازه للردّ، لجرّه إلى معارك جانبية ومحاولة توريطه في الداخل اللبناني»، و«شدّ عصب القوى الموالية التي تشعر بالإحباط بعد سلسلة الهزائم في سوريا». وتقول المصادر إن «ما حدث في طرابلس ليس مقبولاً أن يحدث في بيروت، ومن حقّ البرجاوي وأهالي الطريق الجديدة الدفاع عن أنفسهم، في ظلّ اعتداءات المسلحين عليهم».
في المعطيات الميدانية، تشير المصادر الأمنية إلى أن المسلحين الذين هاجموا مكتب البرجاوي يتوزّعون على مجموعات يتبع بعضها تيار المستقبل وبعضها الآخر للتيار السلفي الذي يدور عدد من ناشطيه في فلك «جمعية التقوى». وتؤكّد المصادر أن من بين المهاجمين عدداً لا بأس به من الفلسطينيين والسوريين. وتتقاطع مصادر قوى 8 آذار مع مصادر أمنية رسمية على أن أبو عمر ق.، وهو أحد مسؤولي المجموعات في زاروب الديك، وشريف هـ. كانا من بين القيادات التي تولّت الهجوم. كذلك تشير المصادر إلى وجود أحد القياديين السلفيين، وهو جزائري، على رأس مجموعة، إضافة إلى المدعو أبو بكر ص.، ومجموعات طارق الدنا وأبو خالد الظاظا وفؤاد سُلاق. وتحمّل مصادر قوى 8 آذار العميد محمود الجمل، المسؤول العسكري في تيار المستقبل، مسؤولية قيادة عدد من المسلحين. وبدا واضحاً أن قوى 8 آذار كانت «على السمع» طوال الوقت. وتشير المعلومات إلى أن «قرار الحفاظ على مكتب التيار العربي في الحي الغربي هو قرار حاسم».
من جهتها، نفت مصادر المستقبل لـ «الأخبار» أن يكون أي من محازبيها شارك في الاشتباك، وأكدت أن «العميد الجمل مكلّف من قبل التيار بضبط العناصر والأهالي، ونحن لا نؤمن بخيار السلاح، بل بخيار الدولة»، وتؤكّد المصادر أن «الهجوم قام به سلفيون، ولو ترك الجمل الشباب من دون رعاية لتحوّلوا إلى التيار السلفي». وينقل شهود أن الجمل كان يتنقّل مع عناصر الجيش أثناء دخولهم إلى الحي بعد توقّف الاشتباكات صباح أمس. وقد مر تشييع الحنش بعد ظهر أمس من دون أحداث تُذكر، على رغم أجواء توتّر سادت قبل التشييع، مع معلومات عن نيّة السلفيين والمجموعات المسلحة معاودة الهجوم على مكتب حزب التيار العربي.
حتى الآن، يجمع تيار المستقبل وقوى 8 آذار على أن لا مصلحة لأحد في أن تدخل بيروت العصر «الطرابلسي»، لكنّ الأحداث الأخيرة، على ما يؤكّد أكثر من طرف، توقّفت مؤقتاً، في ظلّ إصرار دخول العنصر الإسلامي على قرار الطريق الجديدة، ومناطق أخرى في العاصمة، بينها قريطم وساقية الجنزير وعائشة بكّار.

يمكنكم متابعة فراس الشوفي عبر تويتر | @firasshoufi