غداً، تنطلق عملية إجلاء العمال الأجانب الراغبين في العودة الطوعية إلى بلادهم. مع هذا القرار الذي اتخذته الحكومة بالتعاون مع سفارات البلدان التي أبدت استعداداً لاستقبال مواطنيها، تبدأ الدفعة الأولى من العودة التي تشمل رعايا إثيوبيين ومصريين ممن تقدموا بطلبات عودة طوعية. وفي التفاصيل، أن الحكومة الإثيوبية أمّنت عشر طائرات لتنفيذ عملية الإجلاء، فيما ترسل السلطات المصرية ثلاث طائرات. اللافت أن أزمة كورونا ليست هي ما يدفع هؤلاء إلى العودة، بل أزمات عديدة لا حل لها، تبدأ بصعوبة تحويل أموالهم إلى عائلاتهم، ولا تنتهي بأزمة تحصيل حقوقهم من «أرباب عملهم»، بسبب امتناع هؤلاء عن إعطاء العمال والعاملات رواتبهم بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة. ولئن كانت الأزمة لا تستثني أحداً من العاملين، إلا أن أكثر الممسوسين بها هم العاملات في الخدمة المنزلية بطريقة غير شرعية، واللواتي يقدر عددهن بـ«ما بين 10 و15 ألف عاملة»، على ما يقول نقيب أصحاب مكاتب الإستقدام في لبنان علي الأمين. هذه الفئة «تشكل النسبة الأعلى بين العاملات اللواتي يطالبن بالترحيل، بعدما ساء وضع البلد اقتصادياً وانهارت العملة وتوقفت كثيرات منهن عن العمل»، من دون أن يعني ذلك أن «الشرعيات» لسن معنيات بهذا الواقع، وهن فئة كبيرة نسبياً، يقدر الأمين عددها بنحو 182 ألفاً من الجنسيات كافة.وبعدما كثرت شكاوى هؤلاء، ولجوء بعضهن إلى سفارات بلادهن، نسّقت السفارات المعنية مع وزارة العمل والأمن العام لتسوية أوضاعهن قانونياً تمهيداً لترحيلهن. ويلفت الأمين إلى أن دفعة الترحيل الأولى تضم «عاملات موجودات في السفارة الإثيوبية وفي جمعيات وبيوت الأمان بعد تسوية أوضاعهن القانونية تمهيداً للترحيل، أو ممن انتهت عقود عملهن وجميعهن ستجليهن السفارة الإثيوبية على حسابها». الأمر نفسه ينطبق على العمال الأجانب الذين توقفت أعمالهم أو انخفضت قيمتها بشكل كبير لأنهم يقبضون بالليرة، ولم تعد تعيلهم هنا، فضلاً عن تحويلها إلى عائلاتهم في بلدهم الأم. ولعل أزمة عمال شركة «رامكو» مؤخراً خير دليل على تردّي أحوال العمال الأجانب الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة وعلى سعر الصرف الرسمي. وهؤلاء ينتمون إلى الفئة الثالثة ضمن تقسيمة العمال الأجانب في لبنان (عمال في شركات تنظيف، عمال في محطات البنزين، مزارع، بناء، حمّال...). وعدد العمال الشرعيين ضمن هذه الفئة هو حوالى 60 ألفاً، غالبيتهم من الجنسيتين المصرية والبنغلادشية.
أما المرحلة الثانية من العودة، فيتوقع أن تشمل، إضافة إلى العاملات اللواتي انتهت عقود عملهن، أولئك اللواتي يعملن في المنازل وقررن العودة بعدما لم يعد رب العمل قادراً على دفع رواتبهن بسبب ارتفاع سعر الدولار بعدما بات راتب العاملة الشهري يساوي نحو 800 ألف ليرة بحسب سعر الصرف الجديد (4000 ليرة). وبما أن الأمور لم تعد «على ما يرام» بين أرباب العمل والعمال، دعا بيان الأمن العام أرباب العمل والعمال الأجانب الراغبين في المغادرة إلى «تسجيل أسمائهم في سفارات بلادهم على لوائح العودة تمهيداً لإيداعها المديرية العامة للأمن العام وإجراء المقتضى في مواعيد تحدد لاحقاً».
الدفعة الأولى من العودة تشمل رعايا إثيوبيين ومصريين تقدموا بطلبات عودة طوعية


لكن، ورغم أن القرار يأتي بعنوان «التسهيل»، إلا أنه من ناحية أخرى قد يسهم في حرمان العمال من حقوقهم. وفي هذا السياق تدعو المحامية في قسم «الاتجار» في منظمة «كفى عنفاً واستغلالاً»، موهانا إسحاق، إلى ضرورة «تشدد وزارة العمل في مراقبة ترحيل العاملات والعمال منعاً للاستغلال والترحيل القسري من دون تحصيلهم حقوقهم، أو العمل على إيجاد صيغة بين الكفيل والعامل لضمان حقوق هؤلاء، ولا سيما عاملات المنازل، وهن الفئة الأكثر هشاشة وضعفاً».
ما يزيد الطين بلة في «المشكل» القائم بين الكفيل والعمال، هو أن الكثير من هؤلاء لديهم رواتب متراكمة، خصوصاً بين العاملات اللواتي كن يطلبن عدم تحويل أموالهن إلى بلادهن ويرجئنها إلى حين انتهاء عقد العمل والعودة إلى الديار. ولذا فإن خيار الترحيل الطوعي الفوري هو من أحد أبرز الحلول كما تشير إسحق لوقف النزف المالي الذي يترتب على أصحاب العمل مع بقاء العاملات في المنزل، أو ترتيب انتقال العاملة بعد موافقتها إلى كفيل آخر قادر على دفع الراتب بالدولار. لكن اللجوء إلى الخيار الأخير بات نادراً «فلا طلب على العاملات في الظروف الراهنة». أما الأزمة الأكبر، فهي مشكلة تأشيرة السفر للعمال والعاملات الراغبين في الرحيل، والتي يترتب ثمنها على صاحب العمل. وبما أن الكثيرين لا يبدون رغبة في دفع تلك التأشيرة، التي تصل حدود 1000 دولار، خصوصاً إلى الدول الأفريقية، فقد يصبح حلم العودة بالنسبة إلى الكثيرات مستحيلاً. وعليه «لا بد من إجراءات وتدابير معينة يجب أن تتخذ، كتقسيط التأشيرة، وخفض كلفتها، والتعاون بين وزارة العمل والمنظمات الدولية، إذ لا يجوز أن يبقى العمال عالقين لهذا السبب»، تختم إسحاق.