مرة جديدة، يطلق سليمان فرنجية النار على أي إمكانية لتطبيع العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. لكن رئيس تيار المردة، وفي تغطيته لمطلوبين إلى القضاء في قضية «الفيول المغشوش»، وقع في شباك خلافه السياسي والشخصي مع باسيل، فكان كلامه أمس عبارة عن تصفية حسابات من جهة، ومجموعة تناقضات وتباهي بحماية «ناسه» من جهة أخرى، لينصّب نفسه قاضياً يثبت براءة من يشاء ويجرّم من يشاء. في المقابل، وللمرة الأولى، يعترف حزب الله بوقوعه في «خطيئة عدم التدقيق في ما كان يُقال بشأن الوضع النقدي» بعد العام 2005. هذا الموقف الذي أطلقه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النيابية، وعضو مجلس شورى الحزب، محمد رعد، أتبعه بآخر، إذ لمّح إلى أن الصرافين المتلاعبين بسعر صرف الليرة يتعاونون مع مجالس إدارة مصارف ومع مصرف لبنان.
(هيثم الموسوي)

لم يكن محتوى مؤتمر رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، أمس، مفاجئاً. فالدولة بمفهومها المؤسساتي غائبة منذ زمن، ليس فقط في سلوك فرنجية بل كل الزعماء السياسيين ونوابهم ووزرائهم وأزلامهم ورجال المال والأعمال والمتفرعين عنهم. وبالتالي، يصبح امتناع مدير المنشآت النفطية سركيس حليس عن المثول أمام القضاء الذي يطلب التحقيق معه في قضية الفيول المغشوش، متظللاً بحماية سياسية أمّنها له فرنجية، أمراً عادياً. وهنا يمكن التسليم بأن البيك مرتاب من «حرف» الملف بعد تسلم النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون له، المحسوبة على التيار الوطني الحر، وما يعنيه ذلك من مسايرة للعونيين؛ سواء صح هذا القول أم كان يحمل ظلماً للقاضية. وبصرف النظر عن صحة الكلام الذي تلاه فرنجية والتساؤلات المشروعة، إلا أن تحويل خلافه السياسي مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل للشماتة والسخرية من إمكانية أن يكون لبنان على قائمة الدول النفطية يسجل نقطة سلبية على فرنجية، لا لصالحه. فهو بدا عاجزاً عن الخروج من تأثير الدعاية العونية والنظر الى وطنية المشروع ومردوده على لبنان. أكد فرنجية أن «البلوكات التي تم الحفر فيها خالية من النفط، كما أن التقارير المقدمة لطبيعة الأرض التي يتوقع أن فيها غازاً هي أيضاً غير صحيحة»، مشيراً الى أن «شركة توتال الفرنسية تدرس خيار دفع البند الجزائي ومغادرة لبنان».
من ناحية أخرى، اعتبر أن ملف الفيول المغشوش «سياسي والجهة التي فتحته معروفة وكذلك القضاة»، فيما «سركيس حليس صديق ونؤمن ببراءته، فهو شخص آدمي ومظلوم، وهو سيمثل أمام العدالة، والقضاء الحقيقي هو الذي سيثبت براءته». هكذا نصّب فرنجية نفسه قاضياً وحكم ببراءة حليس، لكونه «صديقاً»، ليضمّه الى المشمولين بالخطوط الحمر. وآثر مناقضة نفسه، فمن ناحية هو «يحترم القضاء ويؤمن بالعدالة» ومن ناحية أخرى «القضاء مسيس ويحق لنا أن نقف إلى جانب ناسنا على ما يقوم به البعض بالتنصل من الأشخاص». لكن وسط محاولة رئيس تيار المردة الدفاع عن «ناسه» منح نقاطاً مجانية أيضاً لباسيل الذي «يحاول التضحية بأورور فغالي كما ضحّى بكل الذين ناضلوا في التيار الوطني الحر». فذلك، إن صحّ، يسجل لصالح التيار، إنما يدين فرنجية لحمايته أحد المطلوب استجوابهم من قبل القضاء، على أن النتيجة معروفة مسبقاً بعدم إدانة أي موظف محسوب على أي حزب، أكان نظيفاً أم فاسداً. وسأل فرنجية: «ألا يتحمل الوزراء المتعاقبون أي مسؤولية في هذا الملف؟ فخلال فترة العقد مع الشركة، 6 من أصل 7 وزراء للطاقة كانوا تابعين للتيار الوطني الحر. ولكن يبدو أنه عندما يتعلق الأمر بأي ملف لوزارة الأشغال تصبح المسؤولية على الوزير وما فوق، أما في ما يخص وزارة الطاقة فتصبح المسؤولية من المدير العام وما دون». وتابع: «سركيس حليس ذهب إلى المحكمة، ولكن أن يصل عند قاضي التحقيق ويفاجأ بأن غادة عون أرسلت عسكريين لتوقيفه فهذا غير مقبول»، مطالباً بإجراء «تحقيق شفاف، وللقضاء الحق في التحقيق بحسابات سركيس حليس وأملاكه ليبني على الشيء مقتضاه». كذلك تباهى فرنجية بمحبة آل رحمة له، أي ريمون وتادي رحمة (المطلوب أيضاً للقضاء في ملف الفيول المغشوش)، وسفره معهم، «لكن سبحان الله لا يحبون جبران باسيل رغم محاولته استمالتهما».
رعد: ارتكبنا خطيئة بعد 2005 لأننا لم ندقق كما يجب في ما كان يُقال عن الوضع النقدي

وقال: «أما في ملف النفط، فهم غير موجودين. وقد صدرت مذكرة توقيف بحق تيدي رحمة باعتبار أن البواخر مغشوشة، والواقع أن عدم مطابقة المواصفات لا يعني أنها مغشوشة. فالدولة وقّعت عقداً مع سوناطراك يقضي بأن نأخذ الفيول، وإذا كانت الباخرة مطابقة نتسلم وإذا كانت غير مطابقة لا نتسلم ونعيدها ونحصل على غيرها على حساب سوناطراك (...) القاضي علي إبراهيم حقق وأقفل الملف، أما غادة عون فأعدّت تحقيقاً من 400 صفحة، يتضمن 100 سؤال عن سركيس حليس، ولا شيء فيه يدل على أن سركيس حليس له علاقة». وشنّ هجوماً شرساً على رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر، متهما إياهما «بالكذب على الناس عام 1989، ودمرتم لبنان والمناطق المسيحية، وكذبتم على الناس عام 2005، والآن تكذبون على الناس. قوتكم كانت ترتكز على الدعم الشعبي، واليوم قوتكم نابعة من السلطة. ولكن حين تذهب السلطة، لن تساووا شيئاً وإذا كان القضاء لن يحاكمكم، فالتاريخ سيحاكمكم». وختم كما بدأ بتحويل ملف الفيول المغشوش الى خلاف سياسي شخصي قائلاً: «إذا أردتم الحرب فنحن لها، وإذا أردتم السلم فنحن جاهزون». مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية أصدر بياناً ردّ فيه على كلام فرنجية، ولا سيما ما تناول به رئيس الجمهورية، مؤكداً أن «من أصدق ما قاله فرنجية هو وقوفه إلى جانب ناسه، سواء كانوا مرتكبين أم متهمين بتقاضي رشاوى. وبدلاً من أن يفاخر بحمايته لمطلوبين من العدالة، كان الأجدر به أن يرفع غطاءه عنهم ويتركهم يمثلون أمام القضاء».

رعد: ارتكبنا خطيئة بعد 2005
في سياق منفصل، وللمرة الأولى منذ العام 2005، أعلن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أن «حزب الله ارتكب خطيئة في مرحلة ما بعد رفيق الحريري، لأننا لم ندقق في ما كان يقال عن الوضع النقدي في البلد». واعتبر أن «قوة الزخم في السياسات الاقتصادية كانت في عهد الحريري الأب، ونحن كنا في طليعة القوى التي عارضت هذه السياسات، لكن بعد اغتيال رفيق الحريري أصبح البلد على شفير الانهيار، وكنا نسعى لجمع البلد، وأصبحنا نتعاون حتى مع المبغضين الذين يريدون قتلنا». وأضاف: «إذا كان إسقاط البلد يهدف إلى إسقاط حزب الله فهذه كارثة، أما إذا كان الهدف من التلويح بإسقاط البلد هو انتزاع ورقة من حزب الله، فأنا أقول بكل بوضوح لن يستطيع أحد انتزاع أي ورقة منا». في موازاة ذلك، أشاد رعد بحكومة حسان دياب، مشيراً أن «الحكومة الحالية أثبتت أنها ليست حكومة ملء الفراغ واستطاعت أن تثبت حضورها»، ولافتاً الى أن «بعض القوى التي وافقت على الخطة الاقتصادية داخل مجلس الوزراء ذهب إلى لقاء ​بعبدا​ وبدأ ​النقاش​ بالتفاصيل»، متّهماً تلك القوى بالنفاق. وإذ طالب رعد الحكومة بـ«التصدي لظاهرة غلاء الأسعار وجشع التجار»، دعاها إلى «توقيف الرؤوس الكبيرة المتورطة في التلاعب بسعر صرف الليرة»، وسأل: «هل يعمل نقيب الصرافين الموقوف حالياً بمعزل عن مجالس إدارة المصارف وحاكم مصرف لبنان؟». وأكد أن «حزب الله ليس حاضناً للخطة الاقتصادية، بل يعتبرها الخيار المتاح حالياً». وفي موضوع صندوق النقد الدولي، رأى أن «من المفترض بصندوق النقد أن يكون مؤسسة دولية نقدية تستنهض الإنماء في الدول»، وقال: «وفق مهام الصندوق هذه، نحن سائرون بالموضوع، غير أن الحذر منه واجب، لأنه أصبح أداة من أدوات النفوذ الدولي، ولا سيما النفوذ الأميركي»، موضحاً أن «كتلة الوفاء للمقاومة لديها بديل من الذهاب إلى صندوق النقد الدولي، إلا أن طرح البدائل مرهون بالاستعداد للمضيّ بها (...) المقاومة ستتصدى للتجاوزات التي قد تحاول أن تطال السيادة اللبنانية».

استبعاد بترا خوري ووضع ملف تعيين المحافظ في يد رئيس الجمهورية


على المقلب الحكومي، وتحديداً مسألة تعيين محافظ جديد لمدينة بيروت بعد انتهاء ولاية المحافظ الحالي زياد شبيب في الـ 22 من الشهر الجاري، زار متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس وتوابعها المطران الياس عودة رئيس الجمهورية ميشال عون بحضور النائب الياس بو صعب. وقد تناقش المجتمعون بكل ما يخص الطائفة، إذ تقول المصادر إن عودة تداول بعدة أسماء بديلة على أن ينقلها الرئيس عون الى رئيس الحكومة. وجرى الاتفاق على آلية محددة لانتقاء الأسماء. وجزمت المصادر بأن الاسم الذي اقترحه رئيس الحكومة حسان دياب، أي مستشارته بترا خوري، لم يعد مطروحاً أبداً، في حين يُتداول حالياً بثلاثة أسماء، بينها القاضي زياد مكنا والرئيس السابق للهيئة العليا للتأديب مروان عبود الذي يشغل حالياً منصب رئيس غرفة في ديوان المحاسبة، ويعمل منذ مدة على التدقيق في كل ملفات بلدية بيروت.