جنين | لم تتأخر بنوكٌ فلسطينية عن تطبيق قرار العدو الإسرائيلي بشأن حسابات الأسرى فيها (راجع عدد 22 نيسان: إسرائيل تجرّم البنوك: جمّدوا حسابات الأسرى وذويهم). منذ سنوات والأزمة موجودة لكن على نار هادئة ولم تحدث صخباً كبيراً في الشارع، بعدما اقتصر العدو على «ضربات موضعية لأسماء معينة»، لتغلق بعض البنوك حسابات أسرى ومحرّرين من قيادات محلية في حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، لكنها طاولت أخيراً رموزاً من «فتح» مثل الأسير مروان البرغوثي. كانت الإغلاقات تسير بوتيرة بطيئة وفردية، إلى أن أتت «أزمة المقاصة» في شباط/فبراير من العام الماضي (خصم العدو من نصيب السلطة الفلسطينية في الضرائب 140 مليون دولار قال إنها توازي ما دفعته السلطة للأسرى)، لتصير المواجهة عامة وكبيرة. لاحقاً استسلمت السلطة وقبلت استلام «المقاصة» منقوصة، علماً أن تقديرات فلسطينية حديثة قالت إن إجمالي ما تخصّصه رام الله لعائلات الشهداء والأسرى والجرحى سنوياً يفوق 300 مليون دولار.هذا الشهر، فوجئ أسرى محرّرون لهم حسابات في بنك «القاهرة عمان» برسائل تدعوهم لإغلاق حساباتهم. يقول المحرر حمد طقاطقة لـ«الأخبار» إنه تلقّى رسالة بإلغاء بطاقته البنكية الحادية عشرة صباحاً قبيل وصول معاشه، وعندما توجه إلى البنك في مدينة بيت لحم (جنوب)، اعتذرت له مدير الفرع وأبلغته أن عليه سحب رصيده كاملاً. حاول طقاطقة أن يُقنع البنك بإغلاق حسابه لكن مع فتح حساب غير جارٍ، لكن البنك رفض. ووفق مصدر مطلع، تعجّلت بعض البنوك، ولا سيما الوافدة، وأخذت من تلقاء نفسها قراراً بإغلاق الحسابات رغم أن الأمر الإسرائيلي «لم يدخل حيز التنفيذ رسمياً»، بل إن بعض البنوك مارست «ابتزازاً رخيصاً» بحق المحرّرين، ورفضت صرف راتب الشهر الجاري إلا بتوقيع صاحب الشأن على إغلاق حسابه.
سُجّلت حوادث إطلاق نار وإلقاء مولوتوف على عدد من فروع البنوك


جراء ذلك، تفجّر غضب كبير تمثّل في أكثر من هجوم على «القاهرة عمان» خلال ليلة الخميس ــ الجمعة. وفق مصادر محلية، لأول مرة يُطلق النار على فرع لبنك في فلسطين «على خلفية وطنية»، وبدأ ذلك في شارع حيفا بمدينة جنين (شمال)، حيث أطلق مسلحون من «فتح» صليات من الرصاص على البنك بعد ساعات من إغلاقه حسابات عشرات الأسرى في مختلف محافظات الضفة. أما في أريحا (شرق)، فأصيب فرع آخر بزجاجات حارقة استهدفت واجهته. وسبق ذلك في رام الله (وسط) في الليلة نفسها وضع ملصقات على أبواب «القاهرة عمان»، كتب فيها أن ما فعله البنك «وصمة عار وانحياز إلى إرهاب الاحتلال وتجاوز للسيادة الوطنية»، مضيفاً: «بين القاهرة وعمان توجد القدس، ومن أجل القدس قدّم أسرى الحرية حياتهم في غياهب السجون، أنتم ملزمون التراجع عن قراركم المشين فوراً».
غضب القاعدة الفتحاوية تحديداً وصل إلى أعلى مستوياته، في حين التزمت السلطة الصمت في البداية، لكن سرعان ما حاولوا ركوب الموجة، إذ قال القيادي في الحركة حسين الشيخ، وكذلك رئيس الحكومة، محمد اشتية، إنهم «يرفضون التهديد الإسرائيلي». لكن محافظ جنين، أكرم الرجوب، سار عكس التيار ووصف إطلاق النار على البنك بـ«الاعتداء الآثم»، قائلاً: «مع قدسية ملف الأسرى وأنه خط أحمر لكن التضامن مع حقوقهم لا يكون بحمل السلاح»، وهو الموقف نفسه الذي تبناه حافظ سلفيت، عبد الله كميل. وتقول أوساط فتحاوية إن السلطة عاجزة عن ثني البنوك عن الرضوخ للتهديد الإسرائيلي، وهذا ما يدفع العناصر إلى «حل المشكلة بطريقتهم، لأن عامة الشعب الفلسطيني ينظرون إلى البنوك على أنها رأس مال من إفراز الاحتلال الذي يُشجعها ويستغلها لقصم ظهر الشعب وإفراغه من مضمونه الوطني».
ولتدارك الموقف، أعلن اشتية في ساعة متأخرة مساء أمس عقد اتفاق بين الحكومة و«سلطة النقد» ومؤسسات الأسرى التابعة للسلطة، وبين البنوك ، على «تجميد إغلاق حسابات الأسرى وعائلاتهم المحررين... بإمكان المُغلقة حساباتهم إعادتها إلى العمل منذ الأحد المقبل»، مضيفاً أن «العمل جارٍ على ابتكار حلول إضافية تحقق مصلحة البنوك والأسرى والجرحى وعائلات الشهداء (معاً)» من دون أن يُفصح عنها. لكن المصدر المطلع قال إن «رد الفعل سيكون أكبر في حال تنصلت البنوك من تعهداتها، خاصة أن دخول السلاح على الخط في جنين تحديداً يرسم مضمون الرد الشعبي وأنه مختلف عن الإشكالات الماضية». ووفق مصدر آخر في السلطة، قال إن الأخيرة «ستلجأ إلى حل بعيد من البنوك كإجراء أولي يضمن استمرار صرف الرواتب، مثل صرف شيكات عبر البنوك من دون حسابات بأسماء المستفيدين، أو الاستفادة من البريد الرسمي أو حتى بواسطة مؤسسة تتبع للسلطة».