برغم أن أول زيارة خارجية للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فور تولّيه رئاسة الجمهورية عام 2014، كانت إلى الجزائر للقاء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فإن «الجنرال» أخفق في الوصول إلى صيغة توافقية مع النظام الجديد بقيادة عبد المجيد تبون الذي يسعى إلى استعادة مكانة بلاده بعد سنوات من التراجع، على خلفية مرض سلفه لسنوات وعجزه عن حضور المناسبات الدولية، حينما كان يكتفي بإدارة البلاد عبر مساعديه وشقيقه ممن يواجهون اتهامات بالفساد أمام القضاء الجزائري.تبون، الذي وصل إلى السلطة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لم يتحمس للدعوات المتكررة التي تلقاها لزيارة القاهرة، ومن بينها دعوة شفهية وجّهها السيسي شخصياً خلال لقاء عابر بينهما في «مؤتمر برلين» في كانون الثاني/ يناير الماضي، بعد عودة الجزائر بصفتها شريكاً فعالاً في الأزمة الليبية، والمناقشات حول مستقبل الوضع في ليبيا بعد أشهر من الجمود. لكن العلاقات المصرية ــــ الجزائرية تشهد حالياً أزمة غير مسبوقة على جميع المستويات جرّاء رفض تبون الدور المصري المنفرد في عدد من الملفات في الشأن العربي عامةً والليبي خاصةً، ولا سيما خلال المدة التي شهدت خلوّ منصب الرئاسة في بلاده. وبرغم محاولات السيسي التنسيق معه في عدد من القضايا، يتحفّظ الرئيس الجزائري ويضع اشتراطات تسبّبت في إعاقة أي مفاوضات مشتركة، فضلاً عن تحفظات مرتبطة ببعض القرارات التي اتخذت ولم تكن الجزائر شريكة فيها خلال المرحلة الانتقالية في الجزائر.
طلب تبون ألا تتكلّم القاهرة باسم بلاده بتاتاً وبتنسيق إماراتي ــ سعودي منفصل


في التفاصيل التي تنقلها مصادر مطّلعة على العلاقة، يرى تبون أن هناك تبعية جزائرية للموقف المصري في قضايا كثيرة، وأن هذه هي السياسة التي اتّبعها بوتفليقة في سنوات حكمه الأخيرة، لكن ليس مرحّباً بها الآن، لأن التغيير السياسي وضع رئيساً ونظاماً قوياً يسعى إلى أن يكون له دور إقليمي أساسي، الأمر الذي على الجميع إدراكه وخاصة مصر. هكذا، أتى القرار بإرجاء القمة العربية الدورية التي كانت مقررة الشهر الماضي ضمن تحركات الرئيس الجزائري لاستعادة مكانة بلاده عربياً وأفريقياً، والسعي إلى «تقديم إصلاحات على هيكل الجامعة العربية خلال القمة المرتقبة، وفي مقدمتها تدوير منصب الأمين العام للجامعة ليكون متداولاً بين جميع الدول وليس مصرياً فقط، فضلاً عن خطوات أخرى تحظى بدعم عدد من الدول الأعضاء».
تنقل المصادر أنه خلال زيارة تبون للسعودية ولقائه الملك سلمان أواخر شباط/ فبراير الماضي، تحدث بوضوح عن رؤيته وموقفه من عدد من القضايا العربية وفي مقدمتها الأزمة الليبية وإصلاح الجامعة، وصولاً إلى رفضه الانفراد المصري بالقرار في الشأن الليبي، مطالباً بإحياء آلية «دول الجوار»، بجانب احتجاجه على «التجاهل المصري لدور الجزائر وعدم إشراكها في الكثير من الأمور». ولذلك، شدد على أن بلاده لن تسمح بتهميشها مجدداً أو الحديث باسمها، ما يعني «ضرورة لتنسيق سعودي ــــ إماراتي مع الجزائر مباشرة، بجانب تنسيقهم مع مصر»، الأمر الذي يفسر زيارة وفد حكومة عبد الله الثني للجزائر وطلب الوساطة في الأزمة.
في المقابل، نقل مصدر مصري أن الرياض أبلغت القاهرة بالمطالب الجزائرية «بحكم التنسيق المشترك، لكن دون إبداء تعقيبات». وفي الفحوى أن الطرف المشتكي يشدّد على «اتّباع سياسة جزائرية خارجية تعلي مصالح البلاد دون النظر في اعتبارات وتحالفات سابقة، فضلاً عن رفض أي خطوات منحازة إلى الدول المقاطعة العربية بسبب وجود مصالح مشتركة مع قطر لا يمكن الاستغناء عنها في ظل الظروف الحالية». وعن صعوبة الحل، يقول المصدر إن تبون اشترط وجوداً جزائرياً واضحاً في جميع الاجتماعات واللقاءات التي تعقد في مختلف الملفات العربية والإقليمية، وهو ما شكّل صدمة للقاهرة التي ظنّت في البداية أن الأمر ارتبط بالدعوات الألمانية إلى «مؤتمر برلين» حصراً.