يعرض وزير الطاقة ريمون غجر على مجلس الوزراء، الذي ينعقد يوم الجمعة في القصر الجمهوري، قراره تأجيل موعد تقديم طلبات الاشتراك في دورة التراخيص الثانية إلى الأول من حزيران المقبل.التأجيل هو الثاني من نوعه، بين تأجيل أول، من 31 كانون الثاني إلى 30 نيسان، طلبته شركات نفط عالمية لم تكن قد استكملت التحضيرات المتعلقة بإعداد طلبات الاشتراك، وبين تأجيل ثان فرضه انتشار فيروس كورونا، وتوقف أعمال الشركات العالمية، بالإضافة إلى التعبئة العامة التي أقرتها الحكومة محلياً.
في تلك الفترة، طرأ عامل إضافي لم يكن بالحسبان. في آذار انطلقت حرب نفطية شرسة بعد فشل اجتماع «أوبك بلاس» بالاتفاق على تخفيض الإنتاج. وقد أدت بالتوازي مع انخفاض الاستهلاك العالمي إلى انهيار تام في أسعار النفط. الانهيار لا يزال مستمراً. وبعض الدراسات لا تستبعد وصول سعر برنت إلى 10 دولارات.
تلك الأزمة فرضت على شركات النفط تعديلاً كبيراً في خططها للتنقيب والاستكشاف، مع تخفيض ملحوظ لميزانياتها. هل سيؤثر ذلك على دورة التراخيص الثانية؟ وبشكل أدق، هل أخطأت وزارة الطاقة في تحديد موعدها الجديد، وهل كان من الأجدى تأجيله؟ هنا تتضارب الآراء التقنية، بين من يعتبر أنه لم يعد بالإمكان التأجيل، ومن المفيد معرفة ما إذا كانت الشركات التي سبق أن اشترت الداتا وأبدت حماستها للمشاركة في دورة التراخيص، لا تزال على حماستها. أصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون أن لا خسارة فعلية من تحديد موعد دورة التراخيص. بالحد الأقصى إذا لم يتقدم أحد، تؤجل تلقائياً، إلى أن تنضج الظروف.
على المقلب الآخر، ثمة من يؤكد أن الأَولى هو تأجيل دورة التراخيص، طالما أن المؤشرات العالمية ليست مشجعة. السؤال هنا يصبح ماذا لو تقدم تحالف واحد؟ عندها سيكون هذا التحالف قادراً على فرض شروطه، كأن يخفّض حصة الدولة من مشاركة الأرباح. والأهم أن هذا التحالف، عندما يضمن حصوله على العقد، لن يمنعه أحد من تأخير الاستكشاف إلى الوقت الذي يناسبه، أي إلى حين تعافي الاقتصاد العالمي وارتفاع أسعار النفط. عندها ستكون الدولة اللبنانية قد فوّتت على نفسها فرصة الحصول على عروض أكثر وأفضل.
عامل آخر يتحكم بالمستقبل النفطي للبنان. مع بداية أيار، سيتحدد مصير البئر الاستكشافية في الرقعة الرقم 4. إذا كانت النتيجة سلبية، فإن الشركات ستستغل الوضع لتقديم عروض غير منصفة للدولة اللبنانية، لكن إذا كانت النتيجة إيجابية، فقد لا يكون لذلك أهمية بالنسبة إلى الشركات التي خفّضت ميزانياتها وأوقفت الاستثمارات الجديدة.
الأسبوع الماضي، انتشرت معلومات عن اكتشاف ضخم في تلك البئر. ولأن المصدر كان «موثوقاً»، فقد تعامل عدد من مراكز القرار مع المؤشرات كأنها حقائق دامغة، قبل أن يتبيّن أن المصدر بنى معلوماته على استنتاجات متسرّعة. فعلى عمق 3700 متر، عثرت توتال على مؤشرات قوية على وجود مكمن غازي، قبل أن يتبيّن أنه اكتشاف غير ذي قيمة، لأن الكميات الموجودة فيه ضئيلة بحيث إن كلفة استخراجه أضعاف قيمته.
وزارة الطاقة بدورها، عندما وجدت أن تلك المعلومات انتشرت بشكل كبير، ليس إعلامياً فحسب، بل على النطاق الرسمي أيضاً، اضطرت إلى إصدار بيان توضح فيه أن «من السابق لأوانه حتّى الآن تحديد نتائج الحفر قبل إنجازه بشكل تام وتحليل نتائجه، إيجابية كانت أو سلبية». وأشارت إلى أن «ما يتمّ تداوله من تحليلات حول أعمال الحفر ونتائجها لا يستند إلى معطيات واقعيّة وحقيقيّة».
دورة التراخيص الثانية نحو تأجيل جديد بسبب «كورونا» وانهيار أسعار النفط؟


بالرغم من عدم دقة ما أشيع، إلا أنه لا ينفي أن آمالاً كبيرة كانت قد تسللت إلى تحالف الشركات الذي تقوده توتال، بعدما أظهرت التحليلات احتواء منطقة الحفر على كامل العناصر الكيميائية المؤشرة لوجود الغاز. وهو التفاؤل الذي انعكس على معظم العاملين في القطاع، وكذلك السياسيين. كل تلك الآمال تحولت إلى إحباط، مع اقتراب موعد انتهاء الاستكشاف. إذ لم يبق سوى ما بين 200 و300 متر للوصول إلى الـ 4200 متر المقرر حفرها. مع ذلك، لم يحسم الأمر بعد. المؤشرات السابقة، فتحت المجال أمام احتمال وجود مكمن آخر. ولذلك، فإن مصادر التحالف تؤكد أن الأسبوع الحالي سيكون حاسماً. فقد يحصل أن يُكتشف مكمن في أي من الأمتار الخمسين المقبلة. تلك فرضية جيولوجية خبرها هؤلاء في حقل زهر في مصر على سبيل المثال. هناك لم يظهر الغاز سوى في الأمتار الأخيرة، فكانت النتيجة اكتشاف أكبر المكامن الغازية في شرق المتوسط. مع ذلك، لا أحد يمكنه التغاضي عن حقيقة أنه كما احتمال اكتشاف الغاز في الأمتار الأخيرة قائم، فإن احتمال انتهاء أعمال الحفر من دون إيجاد شيء يتقدم.
تجدر الإشارة إلى أن تجارب الدول التي تستخرج الغاز في قاع البحار أظهرت أن احتمال اكتشاف الوقود الأحفوري بعد حفر أول بئر استكشافية لا يتجاوز الـ 25 في المئة، ما يعني احتمال لجوء توتال وشريكاتها إلى حفر آبار أخرى في الرقعة الرقم 4 مستقبلاً. لكن ذلك لن يكون ممكناً قبل نهاية العام الجاري، بحسب الجدول الذي وضعه تحالف الشركات لنفسه (قبل انهيار أسعار النفط، ما يعني إمكان إدخال تعديلات عليه ترجئ حفر آبار استكشافية أخرى في الرقعة نفسها).