أدّت الاجتماعات الماراثونيّة لدول تحالف «أوبك+»، على مدى الأيام الأربعة الماضية، إلى تبلور صفقة تاريخية تشكّل خطوة أولى لاستقرار أسعار النفط، بعدما تهاوت وسط اتّساع الوباء العالمي الذي فرض تراجعاً هائلاً في الطلب على الخام. بإتمام الصفقة، وُضع حدٌّ لحربِ أسعار مُدمِّرة قادتها السعودية في مواجهة روسيا، لينتج منها اقتطاع غير مسبوق في الإنتاج يوازي نحو 10% مِن الإمدادات العالمية، لكنها لا تبدو كافية لتعويض التأثير الذي ألحقته جائحة كورونا بهذه الصناعة.يبدو أن تركيز السوق تحوّل سريعاً إلى سؤال: هل سيكون الخفض كافياً للتغلُّب على وفرة المعروض الذي يواصل النموّ في ظلّ استمرار إغلاق الاقتصاد العالمي بسبب الوباء؟ قد يتبيّن، في رأي مستشارٍ في «جاي بي سي إنرجي» أن الاتفاق «مجرّد لصقة على جرح مفتوح». ورغم الشكوك التي أبدتها الأسواق، فإن الاتفاق، الذي بدا قبل أسابيع قليلة مستحيلاً، يمثّل انتصاراً مهمّاً لتحالف «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك) وحلفائها من خارج المجموعة بقيادة روسيا، ولا سيما بعد ترميم المحادثات التي كادت تنهار في نهاية الأسبوع بفعل المقاومة التي أبدتها المكسيك برفضها خفض إنتاجها بواقع 400 ألف برميل يومياً (ستتحَّمل الولايات المتحدة 300 ألف منها ويبقى على المِكسيك 100 ألف). لكن تدخُّل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ساعد في وضع الخطوط العريضة للتسوية النهائية، وحال دون انهيار الاتفاق. وبعد ثوانٍ مِن بدء التداول في آسيا أمس، قفزت العقود الآجلة لخام القياس العالمي، «برنت»، بنسبة 8%، لكنها ما لبثت أن انخفضت إلى نحو 2% بحلول المساء، عند 32.15 دولاراً للبرميل.
وإلى اتفاق «أوبك+»، سيُسهم منتجو النفط في «مجموعة العشرين» بخفض إنتاجهم، لكن هذه التدابير ليست بأيّ حال معادلة للتخفيضات التي أقرّها الكارتل، إذ سوف تحتسب الاقتطاعات في كل من الولايات المتحدة والبرازيل وكندا من الانخفاض الطبيعي الناتج من آثار انهيار الطلب وامتلاء المخزونات، وهو ما يعمّق خفض المعروض العالمي بواقع 3.7 ملايين برميل إضافية، على أن تسهم دول أخرى في المجموعة بـ1.3 مليون. وهكذا، يبدو ترامب الرابح الأكبر في معركة الحصص، بعدما بدّد الآمال بانضمام بلاده إلى خطط خفض الإنتاج الطارئة، على أنه توسّط «شخصياً» في الصفقة التي أعلنت تفاصيلها ليل الأحد. كذلك، أشاد بالاتفاق «العظيم» لكونه «سيُنقذ مئات آلاف الوظائف في قطاع الطاقة» الأميركي.
ومِن المقرَّر أن تستمر قيود الإنتاج لعامين، ولكن ليس عند مستوى الشهرين الأوَّلين نفسه. فبعد حزيران/ يونيو، سيتمّ تقليص الاقتطاعات من 9.7 ملايين برميل يومياً إلى 7.6 ملايين حتى نهاية العام الجاري، ثم بمقدار 5.6 اعتباراً من 2021 حتى نيسان/ أبريل 2022. لكن كبح الإنتاج لن يبدأ حتّى الأول من الشهر المقبل، ما يعطي هامشاً للدول التي رفعت إنتاجها كثيراً، مثل السعودية، لمواصلة إغراق السوق لثلاثة أسابيع إضافية. لهذا، وصف «غولدمان ساكس» الاقتطاعات بأنها «ضئيلة ومتأخّرة جداً»، لأنها ستؤدي إلى خفض فعلي يبلغ حوالى 4.3 ملايين برميل يومياً عن مستويات الربع الأول. وكتب محلّلو المصرف: «ما جرى يعكس ببساطة أن التخفيضات الطوعية لا يمكن أن تكون كبيرة بما يكفي لتعويض 19 مليون برميل في اليوم» هي حجم انخفاض الطلب العالمي الناتج من الفيروس التاجي. وبموجب شروط الاتفاق، ستخفض الرياض إنتاجها إلى حوالى 8.5 ملايين برميل، على أن تحتسب الاقتطاعات من مستوى 11 مليون برميل، وليس 12.3 مليون (حجم إنتاجها الحالي). لكن تخفيضات إنتاج النفط الفعلية قد تقارب 20 مليوناً عند حساب مساهمات غير الأعضاء، وتخفيضات طوعية أعمق من بعض أعضاء «أوبك+»، ومشتريات للمخزونات الاستراتيجية.
وفي محادثة هاتفية ضمَّت ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين والملك السعودي سلمان، أيَّد الثلاثي «الاتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه ضمن أوبك+... على مراحل وطوعاً، لإرساء الاستقرار في الأسواق العالميّة وضمان صمود الاقتصاد العالمي». وطبقاً لترامب، فإن «الاتفاق أكبر من المتوقع، وسيساعد على انتعاش قطاع الطاقة مِن تداعيات كوفيد ــ 19»، مضيفاً: «بعدما شاركت في المفاوضات، أقول إن أوبك وشركاءها يتطلعون إلى خفض 20 مليون برميل يومياً، وليس 10 ملايين كما تردّد». وهو ما كرّره وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، الذي ذكر أن بلاده قد تقلّص الإنتاج إلى أقل من حصتها الحالية البالغة 8.5 ملايين برميل، إذا استدعت الحاجة، وإذا جرى تنفيذ التخفيضات جماعياً مع بقية المنتجين على أساس متناسب.
ويستدرك المحلّل في شركة «إنرجي آسبكتس» فيرندرا تشوهان بأنه «حتى إذا أوقفت تلك التخفيضات هبوط الأسعار، فلن تتمكّن من رفعها في ضوء حجم الزيادة في المخزونات التي نراها ماثلة أمامنا». كذلك، يتوقَّع محلّلو الطاقة لدى «إف جي إي» نمو المخزونات في الربع الثاني إلى مستويات لم تُسجَّل منذ 1982. كما سيكون التركيز المقبل في الأسواق على مراقبة الأرقام التي ستعلنها وزارة الطاقة الأميركية بشأن احتياطياتها النفطية الاستراتيجية.