لا يزال رئيس الوزراء المكلّف في العراق، عدنان الزرفي، مصرّاً على استكمال مهامه وفق «السياقات الدستوريّة». أنهى صياغة «منهاج وزاريّ» مقتضب، واضعاً مسوّدةً أولى لتشكيلته. أعلن رفعها إلى البرلمان خلال الساعات المقبلة من دون أن يجزم بقدرته على «تمريرها» لدى النواب. هذا التعسّر مردّه إلى «موقف» أركان «البيت الشيعي»، الذين اتفقوا خلال الساعات القليلة الماضية على بديل يحظى بدعمهم، في اجتماع عُقد في مكتب زعيم «تحالف الفتح» (ائتلافٌ برلماني يضم الكتل المؤيدة لـ«الحشد الشعبي»)، هادي العامري. أبرز الحاضرين إلى جانب الأخير كان زعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، وزعيم «تيّار الحكمة الوطني»، عمّار الحكيم، إلى جانب قيادات شيعيّة أخرى. كتلة «سائرون»، المدعومة من زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، لم تحضر، لكنّها أكّدت مضيّها في أي توافق شيعي. أما «تحالف النصر»، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، فلم يشارك متمسّكاً بمرشحه الزرفي، ورافضاً أي مساس بـ«السياقات الدستورية»، لكنّه في الوقت عينه مع المضيّ بأي إجماع. مخرجات الاجتماع أسفرت عن ترشيح رئيس جهاز المخابرات، مصطفى الكاظمي، للمنصب، إثر «صياغة» رؤية متكاملة للمرحلة الانتقاليّة، تحظى بتأييد ودعم «الفضاء الشيعي»، ومنها يُنطلق إلى «الفضاء الوطني»، أي تحقيق توافق مع المكونين «السُنّي» و«الكردي». هذا الترشيح جاء مغازلاً لمعايير «المرجعيّة الدينيّة العليا» (آية الله علي السيستاني) بالدرجة الأولى، من دون أن يستفز طرفاً دون آخر بالدرجة الثانية، كما أنه يحظى بدعم إقليميّ ــــ دوليّ بالدرجة الثالثة، ما يشكّل عنصراً لـ«التهدئة» في المرحلة الانتقاليّة، ضمن مهمة رئيسية هي إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، في غضون عام على أبعد تقدير.
تسلّمت بغداد رسالة أميركية تطلب فيها «فتح حوار استراتيجيّ»


عمليّاً، نجح قائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، إسماعيل قاآني، في زيارته الأخيرة لبغداد، موجهاً «ضربة قاضية» للزرفي ومشروعه. كما شكّلت زيارته رفعاً لـ«فيتو» قيل إن طهران سبق أن وضعته على ترشيح الكاظمي. هذه الخطوة، وفق تعبير أكثر من مصدر، من شأنها أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة التي يصفها البعض بـ«الهادئة»، وأنها محاولة لضبط الاشتباك القائم بين واشنطن وطهران في الميدان العراقي. هنا، يبرز استقبال رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، السفير الأميركي لدى بغداد، ماثيو تولر، أمس، وتسليم الأخير رسالة من الإدارة الأميركية تطلب فيها «فتح حوار استراتيجيّ بين الحكومتين، اقتصاديّاً وثقافيّاً وتجاريّاً وأمنيّاً، بما يحقق مصالحهما المتبادلة، في ظل القرارات والمستجدات في العراق والمنطقة».
لكن تسمية الكاظمي رسمياً مرهونةٌ حتى الآن بإيجاد مخرج للزرفي، في ظل تضارب الأنباء عن إمكانيّة التصويت له برلمانيّاً، وسط تأكيد أنّه لحظة «خروجه من السباق» سيوقّع رئيس الجمهوريّة، برهم صالح سريعاً «كتاب التكليف»، وبذلك يكون مدير المخابرات أمام اختبار التأليف المحدّد دستوريّاً بثلاثين يوماً؛ فهل يكرّر سيناريو محمد توفيق علّاوي ويعتذر، أم سينجح، وخاصّةً أن حظوظ نجاحه كبيرة نوعاً ما في ظل الدعم الممنوح له «شيعيّاً»، و«وطنيّاً» عامة (علاقات الكاظمي مع مختلف الأطراف العراقيّة قويّة نوعاً ما، وخصوصاً مع قيادات «إقليم كردستان»)، وبصورة أعمّ الغطاء الإيراني ــــ الأميركي الموفّر له لتأدية مهمته المرتقبة؟
أمام هذا المستجد، يبقى عبد المهدي في منصبه شهراً جديداً وسط تقديرات أن يُطلق الحوار المرتقب مع واشنطن «قريباً جدّاً»، لحاجة الطرفين إلى ذلك في الظروف المحليّة والإقليميّة والدوليّة الراهنة. حوارٌ، إن استطاع عبد المهدي، أو خليفته، الوصول به إلى «اتفاقية» ما، سيشكّل منعطفاً كبيراً وتحوّلاً في العلاقة بين الجانبين من جهة، وفي تموضع «عراق ما بعد صدام» وشكله من جهة ثانية.