حرب القلمون انتهت. لم تُحسَم كل معاركها بعد، لكن تحرير الجيش السوري وحزب الله لمدينة يبرود امس وجّه ضربة قاضية لمشروع «دويلة القلمون». في الجغرافيا، القلمون هي صلة الوصل بين حمص ودمشق. وهي البوابة الكبرى لسوريا على لبنان. وهي الجبال المنفتحة على بادية لا حدود لها: نحو حماه وحلب والرقة ودير الزور شمالاً، والعراق شرقاً، وكل ريف دمشق جنوباً.
كان مشروع المعارضة السيطرة على جبال القلمون، بشقيها: شرقي طريق دمشق ــ حمص (من شمالي الضمَيْر في ريف دمشق، إلى جنوبي «القريتين» في ريف حمص)، وغربيها (من شمالي الزبداني في ريف دمشق إلى جنوبي القصير في ريف حمص)، وإقامة «دويلة» على شكل شريط عرْضي يمتد من لبنان إلى العراق، يقسم سوريا إلى جزئين: دمشق وجنوبها من جهة، وحمص وشمالها وغربها. كانت سوريا ستسقط، عملياً، بيد المعارضة بلا كثير عناء. أمام ما كان يُرسَم للقلمون، كانت ستغدو تفاصيل صغيرة العمليات التي حُكي عنها سابقاً، مثل فصل دمشق عن حمص، وتالياً، قطع الطريق بين العاصمة والساحل.
في مواجهة ما حاكته المعارضة، صمد الجيش والقوى الرديفة له في غوطة دمشق، ثم أتت معركة الفصل في القصير. بدأ مشروع «دويلة القلمون» يترنح، إلى أن أسقطته معركة يبرود امس بالضربة القاضية. وسيؤدي سقوطه، بحسب مسؤولين ميدانيين، إلى «ارتدادات إيجابية» في كامل منطقتي حمص ودمشق خلال الأشهر المقبلة.
ليبرود والقلمون وجه آخر: الوجه اللبناني. أول سلاح ريف دمشق ومسلحوه مرّوا من لبنان عبر القلمون. وأول سلاح حمص ومسلحوها عبروا القصير وتلكلخ بعد البقاع ووادي خالد. لكن التسليح ليس سوى جزء بسيط من القصة. فنجاح مشروع «الدويلة» كان سيحتّم على اللبنانيين «التعايش» مع إمارة تمتد من حدود عكار شمالاً، إلى حدود مزارع شبعا جنوباً. إمارة لجبهة النصرة، أقوى الفصائل القلمونية. جبهة لا منافس لها إلا «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروفة بـ«داعش»، او «الجبهة الإسلامية» التي لم تترك مجالاً طائفياً كان او سلوكياً للمزايدة على «النصرة» إلا واستغلته أبشع استغلال.
هذه الإمارة صدّرت إلى لبنان طلائع ما تنتجه: السيارات المفخخة. الغالبية العظمى من هذه السيارات خرجت من يبرود. كائناً من كانت الجهة التي تقف خلفها: «النصرة»، او «داعش» او «كتائب عبد الله عزام». لكن هل تعني نهاية معركة يبرود ان السيارات المفخخة لن تنفجر في لبنان؟ لا شك، بحسب أمنيين لبنانيين، ان معركة يبرود وتفكيك عدد من الشبكات الإرهابية في لبنان والاجراءات الامنية في الجرود الشرقية لمنطقتي بعلبك والهرمل، كلها عوامل ساهمت في إضعاف قدرة المجموعات الإرهابية على تنفيذ عمليات في لبنان. لكن عملية النبي عثمان أمس اكّدت أن الخطر لم يزُل، ولن يزول قريباً. صحيح ان الحرب حُسِمَت في القلمون، لكن المعارك لا تزال مستمرة. رنكوس وعسال الورد وفليطا ورأس المعرة ورأس العين كلها بلدات قلمونية ستشهد معارك او تسويات في الفترة المقبلة. ويتوقع معنيون ان يكون القتال في رنكوس هو الأشرس. ويتوقعون أيضاً أن تؤدي هذه المعارك إلى إضعاف المجموعات المعارضة أكثر وأكثر. فمنطقتها الآمنة التي اتخذت منها منطلقاً لعملياتها التفجيرية في لبنان ستتضاءل وتضمحل. وسيفرض ذلك على المجموعات الإرهابية إيجاد مناطق لها داخل لبنان لتفخيخ السيارات، ما سيُغيّر طبيعة المعركة بينها وبين الأجهزة الامنية اللبنانية.
وقع ما جرى في يبرود امس كان قاسياً على المعارضة. صمت شبه تام ساد منابر المعارضة وداعميها. وحده الناطق باسم «جبهة النصرة» في القلمون «عبد الله عزام الشامي» صرّح ملقياً باللائمة على «الخونة»، وعلى القوة النارية للجيش السوري، والقدرات القتالية لحزب الله. مصدر معارض قال لـ «الاخبار» إن معارضي الخارج عقدوا اجتماعاً في اسطنبول أمس، للتباحث في نتائج معركة يبرود. كان اللقاء عاصفاً، بحسب المصدر، والنقد الذاتي كان قاسياً. تم التركيز على تشتت المقاتلين، وعلى عدم وضوح الرؤية العسكرية لدى «القيادة السياسية» للمعارضة التي أسهمت في إرباك المقاتلين.
ما يمكن استخلاصه من أحاديث المعارضين هو اقتناعهم بأن أسوار دمشق تعلو امامهم أكثر فأكثر.