منذ اندلاع الأزمة السورية، كان العنوان العريض لكل ما يحدث هناك هو "صحافيون في وجه الموت". تحول هؤلاء الإعلاميون إلى هدف من جميع الأطراف فقط لأنهم يحاولون نقل الحقيقة أو جزء منها. النظام شدد قبضته واعتقل عدداً من الصحافيين. مات بعضهم في سجونه آخرهم معاذ خالد، بينما لا يزال يعتقل مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش ورفيقيه.
لم تقصِّر المعارضة من جهتها. اختطفت وقنصت وقتلت وأسقطت نيرانها أخيراً مصور «الميادين» عمر عبد القادر أثناء تغطيته لما يحدث في دير الزور . إلى جانب تلك الحالة الغارقة في الدماء، كان الإعلام السوري يدخل في حالة تخبط واضحة من دون أن يتمكن من الارتقاء إلى مستوى الأحداث. انطلقت قناة «تلاقي» الرسمية ليكون شعارها دعوة إلى اللقاء، ولو في منتصف الطريق، فإذا بها تقدم خلطة منوعة غريبة لم تتمكن من جذب المشاهد ولا تحظى باهتمامه في ظل الظروف الأمنية والإقتصادية المتدهورة التي تعيشها البلاد. ثم بدأت تعد العدة لإطلاق قناة "عروبة" للاستعانة بها في حال نفذ قرار الجامعة العربية وأنزلت الفضائية السورية عن القمر "نايل سات". وأريد للمحطة أن تحمل فكراً عروبياً قومياً جديداً يتخطى اللغة الخشبية التي سيطرت على الإعلام السوري الرسمي لعقود طويلة. لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال. بعد حوالي سنة ونصف السنة من التحضير، اجتمع المسؤولون في التلفزيون السوري وأبلغوا فريق المحطة شفهياً قرار وزراة الإعلام بإلغاء القناة أو تأجيل إطلاقها. لكن رغم هذا التخبط لدى إعلام الدولة في سوريا، إلا أنه يظل أحسن حالاً من محطات المعارضة حديثة العهد مثل «سوريا الغد» و«سوريا 18 آذار». أشرف على تلك المحطات إعلاميون تربوا في مدارس النظام منهم توفيق الحلاق، وسميرة المسالمة، فإذا بهم يطلقون وجهاً آخرا للإعلام الرسمي السوري تُضاف إليه لغة التحريض المذهبي المقيت. أما المحطات الشهيرة، فقد كان عنوانها في المرحلة الأخيرة هو إعادة ترتيب الأوراق بعد غياب أي أمل في سقوط قريب للنظام وامتداد التيار المتطرف التابع لتنظيم «القاعدة». فإذا بـ «الجزيرة» تنسحب تدريجاً من الحدث السوري بالتزامن مع تنحي أمير قطر لصالح ابنه تميم. لم يبق إلا فيصل القاسم ليلعب دور "الدينامو" ولو اضطر إلى تكرار المواضيع ذاتها بالأسلوب ذاته وبضيوف مكررين بشكل دائم. لم يمر إعلان تدخل «حزب الله» في الحرب السورية من دون أثر إعلامي بليغ. سارع الموقع المعارض "كلنا شركاء" لإطلاق حملة توثيق 1000 قتيل لـ «حزب الله» في سوريا، وباشر بنشر صور وأسماء نقلتها عنه صحف عريقة مثل «النهار». لكن سرعان ما انكشفت الحيلة حين اتضح بأن الصور يعاد نشرها أكثرمن مرة، وأنّ عدداً كبيراً من تلك الأسماء استُشهدت خلال حرب تموز عام 2006 أو في أمكان وأزمنة أخرى بعيداً عن سوريا.
كل تلك الفوضى التي تعيشها سوريا عكستها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي غرقت في الانقسام والطائفية كمرآة حقيقية لما يحدث على الأرض.