يوم الإثنين المقبل، تستحق سندات يوروبوندز صادرة عن وزارة المال بقيمة 1200 مليون دولار. وعقود اليوروبوندز تشير إلى أنه عند التخلّف عن سداد سند واحد، تستحق كل السندات وفوائدها دفعة واحدة. كذلك تنصّ العقود على أن التخلّف عن السداد (Default) هو في الحالات الآتية: التوقف عن سداد أيّ من الدفعات المرتبطة بأصل الدين لأكثر من 7 أيام، التوقف عن سداد أيّ من الدفعات المرتبطة بالفوائد لأكثر من 30 يوماً، خرق الموجبات المتعلقة بالعقد ولم يعالج خلال فترة 30 يوماً من تلقّي إنذار بهذا الخرق، إذا دخلت الدولة في مفاوضات مع الدائنين بهدف إعادة الهيكلة أو وقف الدفعات أو أعلنت أو فرضت ذلك، فإن كل السندات أو الضمانات تصبح متوجّبة الأداء. القرار بشأن الموافقة على المفاوضات أو الامتناع عنها يتطلب موافقة أغلبية حملة السندات بنسبة 75%.لدى الحكومة سبعة أيام إضافية لاتخاذ قرار نهائي وحاسم. هذا القرار يفترض أن يكون مبنياً على نتائج اجتماعات لجنة الإنقاذ التي ناقشت في الاجتماعات الأخيرة بمشاركة وزير المال غازي وزني وسلفه علي حسن خليل ومعظم أعضاء مجلس إدارة جمعية المصارف، ثلاثة اقتراحات:
ــــ الأول عرضه خليل مقترحاً توسيع إصدار سندات الخزينة لكل شريحة من الشرائح التي يحملها أجانب بنسبة تفوق 25% من أجل تذويب حصّة الأجانب منها لتصبح أقلّ من 25%، ما يتيح للدولة اللبنانية استعادة قرار الغالبية المفروض بموجب العقود، أي نسبة الـ 75% لاتخاذ قرار بشأن الدخول مع الدائنين في مرحلة التفاوض للتوصل إلى اتفاق مسبق على إعادة الهيكلة. تبيّن أن هذا الاقتراح يوسّع الدين العام بقيمة 4.5 مليارات دولار، وهو ما اعتبره المستشار المالي «لازار» أمراً غير مقبول إذا كانت الدولة اللبنانية تبحث عن طريقة لخفض ديونها، لا عن طريقة لزيادتها.
(هيثم الموسوي)

ــــ الثاني هو عرض من المصارف التي اقترحت شراء سندات اليوروبوندز المحمولة من الأجانب لتصبح حصّتها منها توازي 75%، بشرط تأجيل دفع أصل السندات المستحقة في 2020 والاستمرار في دفع الفوائد البالغة قيمتها 1.5 مليار دولار. المصارف كانت منقسمة حول هذا الطرح، وتقرّر أن تأخذ رأي محاميها القانوني الذي يعمل شريكاً في شركة DLA Piper فأوضح لها أن هذا الأمر يعدّ بمثابة مؤامرة احتيالية تسقط سريعاً في المحاكم الأميركية التي ستعتبر هذه الخطوة بمثابة عمليات تجارة مبنية على عمليات تسريب معلومات سريّة.
ــــ الثالث اقترحه أمس وزير المال غازي وزني على المصارف، ويقضي بأن توافق على استبدال كل السندات التي تحملها (تحمل المصارف اليوم سندات بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار) بسندات جديدة تصدرها وزارة المال بفائدة متدنّية، مقابل مواصلة الخزينة سداد الديون، ما يوفّر على الخزينة نحو 700 مليون دولار من فوائد السنة الجارية، ويخفض أصل الدين المستحق هذه السنة بقيمة 500 مليون دولار، لكن ستواصل الخزينة دفع الاستحقاقات للخارج. مشكلة هذا الاقتراح، الذي وافقت عليه المصارف، لكن رفضته القوى السياسية، أنه يبيع المصارف من كيس الخزينة مجدداً، إذ إن السندات التي سيتم استبدالها بنفس قيمتها الاسمية (100 دولار مقابل كل سند) يمكن شراؤها اليوم من السوق بحسم لا يقلّ عن 40% ويمكن أن يصل إلى 60%، فمن هو المستفيد من إصدار كهذا؟
هذه الاقتراحات برزت إلى العلن بعد سلسلة عمليات تلاعب قام بها أطراف عدّة أدّت إلى توريط لبنان بمسألة استجداء المفاوضات مع صندوق أشمور؛ فمن جهته، قدّم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة معلومات مضلّلة عن قيمة المبالغ التي ستخرج من لبنان إذا سدّد لبنان استحقاقات اليوروبوندز. أبلغ رئيس الحكومة أن حصّة الأجانب من الاستحقاقات الثلاثة في 2020 تبلغ 400 مليون دولار وهي التي ستخرج من لبنان وأنه قادر على سدادها من الاحتياطات. لكن سرعان ما تبيّن لوزير المال بواسطة «سيتي بنك» أن هناك ما لا يقلّ عن 600 مليون دولار ستخرج من الاستحقاقات.
لاحقاً، تبيّن أن هناك عملية تلاعب أكبر تقوم بها المصارف مع جهات خارجية؛ أبرزها صندوق أشمور. فمنذ تشرين الأول 2019 كانت حصّة الأجانب من الاستحقاقات الثلاثة في 2020 تبلغ 730 مليون دولار أو ما يوازي 29.12% من استحقاقات بقيمة 2500 مليون دولار، لكن هذه النسبة ارتفعت بعدما عرض سلامة على المصارف في 30 كانون الأول 2019 تنفيذ عملية «سواب» لاستبدال سندات تستحق في آذار بسندات ذات استحقاقات أطول. بعد أيام، ارتفعت حصّة الأجانب في هذه السندات إلى 51.3%، وتبيّن في جلسات لجنة الإنقاذ أن حصّة الأجانب ارتفعت إلى 1900 مليون دولار أو ما يوازي 76.7% من مجمل الاستحقاقات الثلاثة. بمعنى آخر، إن المصارف اللبنانية باعت 1170 مليون دولار من سندات اليوروبوندز للأجانب في أسابيع قليلة. وتبيّن أن الشاري الأكبر لهذه السندات هو صندوق أشمور، ما أثار الكثير من الاستغراب. فإذا كانت المصارف تبرّر عمليات البيع بحاجتها إلى السيولة، فلماذا تركّز شراء السندات من قبل أشمور؟ هل تلقى هذا الصندوق أي معلومات داخلية عن نيّة الحكومة تسديد السندات في وقتها من خلال عمليات الاستبدال التي كان ينوي حاكم مصرف لبنان القيام بها؟ ولماذا استمرّ في شراء السندات اللبنانية التي انخفض سعرها في السوق الدولية إلى أقل من 50 سنتاً، في وقت بدا فيه أن اتجاه الحكومة نحو التخلّف عن السداد يزداد وضوحاً؟ ألا يعني أن هناك تلاعباً في السوق؟
سبق هذا الأمر عملية تلاعب من صندوق النقد الدولي. فالوفد الذي أتى إلى لبنان بناءً على اتصال من وزير المال غازي وزني، جاء من أجل تقديم الاستشارة التقنية، إلا أنه في الاجتماعات التي عقدت مع الصندوق، سواء في رئاسة الحكومة أو وزارة المال أو مصرف لبنان أو غيرها، تبيّن أن الوفد قام بدور المتفرّج ورفض تقديم المساعدة التقنية للسيناريوات التي يريد لبنان دراستها، مثل أي مستوى من نسبة الدين إلى الناتج يجب بلوغها، وتحديد مستوى الاقتطاع الناجم عن إعادة الهيكلة وانعكاساتها على رساميل المصارف وعلى ميزانية مصرف لبنان وعلى الخزينة بالاستناد إلى مؤشرات اقتصادية عن نسب النمو والفائض الأول والإيرادات... ثمة الكثير من المعادلات الرياضية التي يستطيع الصندوق استعمالها لاستخراج فرضيات «قص الشعر» على السندات، وأثرها وكيفية التعامل مع المؤشرات المالية ــــ النقدية والمصرفية والاقتصادية، لكن وفد الصندوق آثر إبلاغ الجميع رسالة واضحة: قدّموا خطّة لأبني تحليلاً وتعليقاً عليها، أما المساعدة التقنية فهي تتم عندما يطلب لبنان بشكل رسمي الانخراط ببرنامج مع الصندوق.
وزني اقترح استبدال سندات يوروبوندز بقيمة 14 مليار دولار بإصدار جديد بالقيمة نفسها وبفائدة أدنى


رغم الأبعاد التقنية لقرار إعادة هيكلة الدين العام أو مواصلة سداد الديون، إلا أنه في الأصل قرار سياسي ستكون له تداعيات ونتائج قانونية ومصرفية واقتصادية واجتماعية. المشكلة أن الدفع أو إعادة الهيكلة كانا خيارين مطروحين للنقاش الشعبوي، فيما كان يجب أن يكون هناك نقاش سياسي يتعلق بالاستعداد لكل خيار. سلوك طريق إعادة الهيكلة المنظمة أو العشوائية أو مواصلة الدفع، كلها تفرض سياسة خارجية مختلفة انطلاقاً من كون عقود سندات اليوروبوندز متداولة في الأسواق الدولية وتخضع لمحاكم نيويورك. فالمسار القانوني للتخلف عن السداد يفرض على لبنان الخضوع للتدويل، ليس لأن المحاكم التي ستنظر في شكاوى الدائنين موجودة في الولايات المتحدة الأميركية وحسب، بل لأن الأمر يصبح مرتبطاً بالدول التي قد يطلب منها المساعدة. هذا الأمر يحصل اليوم بشكل واضح في ملف الكهرباء؛ فعلى سبيل المثال، تلقّت الحكومة اللبنانية عرضاً من شركة سيمنز ومن شركة الستون ــــ جنرال إلكتريك بأن تكون المنافسة على تشييد معامل الكهرباء في لبنان محصورة بينهما، مقابل تقديم دولهما كفالة مالية للتمويل.

ثمّة شكوك بأن المصارف وصندوق أشمور تلاعبوا بسوق السندات


هذا المثال البسيط على ما يمكن أن يحصل مع لبنان الذي تقلّصت احتياطاته بالعملات الأجنبية إلى الحدّ الأدنى، وباتت غير واضحة قدرة مصرف لبنان على تمويل استيراد الغذاء والسلع الأساسية الأخرى. فعلى افتراض أن صندوق النقد الدولي أعطى رأياً سلبياً بالخطّة المحلية، وذلك قبل أيام من انتهاء مهلة السداد، فكيف ستتعاطى الأسواق الدولية مع لبنان؟ ما هي كمية الدعاوى التي سيتلقّاها؟ هل ستشنّ حملة تهويل كبرى علينا؟ هل سيكون مفروضاً علينا اللجوء إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي وإلا سنتعرض للحصار والعزلة السياسية الخارجية؟ هل سيكون علينا تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي للحصول على التمويل؟ إلى أي مدى يمكننا الاحتمال والصمود؟
بحلول 16 آذار يجب أن يكون لبنان قد أنجز خطّة محلية للإنقاذ. قد لا يوافق الدائنون الأجانب عليها، لكن الباب سيكون مفتوحاً لهم للتفاوض على أي نسبة من الاقتطاع من السندات يقبل بها لبنان ويبلعونها، لكن في أي حال سيرفعون دعاوى في الولايات المتحدة يجب الاستعداد لمواجهتها بحملة منظّمة قانونية ودبلوماسية ومالية واجتماعية.



هيكلة المصارف من اختصاص سلامة للأبد
كان لافتاً أن العقود الموقّعة مع المستشارَين المالي والقانوني في مسألة سندات اليوروبوندز لم تكن تتضمن إلا مهمة واحدة: سندات اليوروبوندز. كان يفترض أن تتضمن هذه المهمة إعادة هيكلة القطاع المالي نظراً إلى الأثر الناتج من عملية إعادة هيكلة سندات اليوروبوندز على رساميل المصارف، وعلى ميزانية مصرف لبنان، إلا أن الحاكم رياض سلامة تمكن من إلغاء مسألة إعادة هيكلة القطاع المالي في لبنان بذريعة أن هذا الأمر يقع ضمن صلاحياته وأنه يجب أن يكون محل ثقة، كونه «مهندس» عمليات الدمج والهيكلة في القطاع التي جرت منذ تسلّمه سدّة الحاكمية. يجب عدم إغفال حقيقة أن العقود مع «كليري» و«لازارد» هي عقود استشارية تقنية، وأن عمليات الهيكلة السابقة التي نفذها سلامة كلّفت الخزينة الكثير من الأموال التي صبّت، على طريقة «الهندسات المالية»، في أرباح المصارف وجيوب كبار مساهميها.


2540 ليرة سعر الدولار
لليوم الثاني على التوالي، ارتفع سعر الدولار مقابل الليرة ليبلغ 2540 ليرة، ما يعني انخفاضاً في قيمة الليرة بنسبة 68.5%. ويعتقد الكثير من المحلّلين أن عوامل الضغط على سعر الصرف في السوق السوداء بدأت تزداد في الفترة الأخيرة، وخصوصاً أن مخزون السلع بدأ ينفد، ما يعني المزيد من الطلب على الدولار النقدي في السوق السوداء، فيما العوامل النفسية ــــ السياسية الناتجة من مسألة إعادة الهيكلة بدأت تشكّل ضغطاً إضافياً على السعر، بالإضافة إلى تقليص بعض المصارف سقوف السحب النقدي ورغبتها في مصارعة الدولة بشأن إعادة الهيكلة.