القدس المحتلة ــ مرال قطينةيبدو أنّ الإعلام الاجتماعي أصبح وسيلة سهلة ليس لنشر الأعمال الابداعية بل للشتم والتجريح والتشهير بأشخاص على اختلاف إيديولوجي وفكري مع أصحاب الحملة. في الأيام الماضية، امتلأت صفحات الفايسبوك بمقالات وآراء حمل بعضها إساءات شخصية لفنان كبير ذي تاريخ حافل ومشرّف بدأ من فيلم «وراء القضبان» وصولاً الى فيلمه «جنين جنين» مروراً بمسرحية «المتشائل». خلال مسيرته، خاض نضالات كثيرة لإيصال الصوت والفنّ الفلسطينيين الى العالم. لكن بعد فيلمه «يرموك»، بدأت صفحات الفايسبوك تعج بالبيانات والاستنكارات والإساءات الشخصية له، مشكّكةً في تاريخه النضالي الطويل.

ولأنّ النقد خرج عن أخلاقيات النقد الفني واختلاف الرؤية السينمائية، وأصبح أشبه بارهاب فكري، كان لا بد من التوجه الى الممثل صالح بكري، فماذا حاول الأخير أن يقوله في الفيلم بوصفه كاتب السيناريو؟ يجيب: «كتبت سيناريو لفيلم قصير رمزي عن حالة الفقر المدقع والجوع قبل ما يسمى بـ «الربيع العربي». القصة تتمحور حول أب يبيع ابنته. لكن أحداث الفيلم تدور في الصحراء. يبيع الأب ابنته في مكان تحوطه آبار النفط وشجر النخيل الجاف (الميت). وقد أثار السيناريو آنذاك إعجاب الوالد». ويضيف: «لست في صدد الدخول في تفاصيل السيناريو. المهم أن الفيلم الذي كتبته مكلف وبحاجة لشركة إنتاج، وليس بإمكاني ولا بإمكان أبي مادياً إخراجه وإنتاجه، فمدته حوالي 30 دقيقة وليس 8 دقائق».
ننتقل للحديث عن الإعلام الاجتماعي الذي صار بمثابة مقص رقيب؟ يعلّق بكري: «الفيلم عُمِّم من دون إذننا مرفقاً بنقد مسموم وتحريضي من السيد نصري حجاج». هل نحن أمام موجة من تكميم الأفواه؟ يجيب: «نحن شعب مجروح، شعب يتألم، وفوق هذا مشتت، ولذلك كثيراً ما نجد أن خطابنا لا يحتكم للعقل وهذا ينعكس على الإعلام والصحافة والفن والسياسة. ترانا ننزلق بسرعة إلى التخوين والمزايدة والقدح والذم كما حدث في الهجمة الشرسة ضد الوالد شخصياً والعائلة برمتها بسبب فيلم قصير لم يكتمل بعد. وحتى لو اكتمل، فالفيلم مجرد محاولة للتعبير عن الألم جراء ما يحدث لنا وحولنا. بعد الهجمة التي تعرضنا لها، أنا اليوم لست مع تغيير شيء في الفيلم بل مع إبقائه كما هو مع إضافة بسيطة للاسم «يرموك مسودة أولى»».
عند سوال المخرج نزار حسن عن رأيه بالهجمة التي يتعرض لها الفيلم، أجاب: «حرية التعبير حق مقدس وسأدافع عنها حتى الممات بما فيها حرية تعبير بكري والحق المطلق في اختيار الصور والتشبيه والممثلين. أنا أيضاً مع حق أي قارئ بأن يفهم الفيلم، النص، أداة التعبير بالشكل الذي يراه. هذا أيضاً حق مطلق. شخصياً، فهمت من بعض اللقطات والمشاهد التالية كاللقطات القريبة من وجوه أطفال العائلة والزوجة على المستوى نفسه، ثم لقطة ترتفع الى أعلى، أنّها تتجه الى الله. وإذا بها تنتهي على وجه الأب محمد بكري. في نهاية الفيلم، فهمت أنّ هذه العائلة في حالة عدم وفقر تام. إذاً اللقطة الأولى لا تعبر عن حالة عائلة تعاني من فقر تام، لأنّه لو كان كذلك، فالفيلم كان ليبدأ بلقطة تقريبية لأب العائلة أي بكري مطأطأ الرأس في حالة قلق. تشديد على اللقطات بهذا الشكل أي الأب (بكري) يدل على نرجسية مأزومة لأنّ ما تبقى مما شاهدناه ليس بالحالة الصعبة المؤلمة بل جماليات اللقطة، وجمال الممثل عادة يسمّى في السينما مديح الكيتش والموت وهو تعريف السنيما الانتهازية».
خالد عليان مدير «سرية رام الله» يقول: «للفيلم الحق في طرح الموضوع والتعبير الكامل عن القضايا التي يراها مناسبة. كجمهور أنا ضد الرقابة الفنية وضد التخوين ومع مناقشة الأفكار نقداً فنياً. ما نواجهه اليوم هو ديكتاتورية الانظمة الفاشية تتجلى في ديكتاتورية ثقافية».