أمام تقدّم الجيش السوري في محافظتَي إدلب وحلب، وسقوط دفاعات المسلحين، تتهاوى أحلام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والتي استثمر في فصائل وتشكيلات مسلحة في سبيل تحقيقها لسنوات طويلة. يوم أمس، تمكّن الجيش من دخول مدينة سراقب، آخر وأهم المدن المتبقية على الطريق الدولي حلب - حماة، والمحاطة بالنقاط التركية من الجهات الأربع، على رغم كلّ التهديدات التركية، واحتمالات الإشتباك.على رغم تهديد تركيا ووعيدها، واستقدامها قوات وتعزيزات إلى محيط مدينة سراقب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، ومحاولتها سدّ مداخل المدينة أمام الجيش السوري القادم من الجهة الجنوبية، فضلاً عن الاحتكاك الذي وقع بين القوات التركية والجيش السوري على مقربة من المدينة وأدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، تَقدّم الجيش السوري نحو المدينة من الجهات الجنوبية والشرقية والغربية بسرعة كبيرة، ملتفّاً على النقاط التركية، عازلاً إياها عن محيطها. وفي ظلّ هذه التطورات الميدانية، واللامبالاة السورية بالتهديدات التركية، مارس الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مزيداً من التصعيد الكلامي في وجه دمشق وحليفتها موسكو. تصعيدٌ يكمن في خلفيّته عدم احتماله رؤية أحلامه ومشاريعه في الأراضي السورية، وخصوصاً في محافظة إدلب التي استثمر فيها منذ الأيام الأولى للحرب، تتهاوى أمام تقدّم الجيش السوري وحلفائه، والذي لم تتمكن كلّ الفصائل مجتمعة ومتفرّقة، مع كلّ الدعم التركي، من صدّه.
منذ صباح أمس، كان الجيش السوري قد مدّ سيطرته جنوب شرق مدينة سراقب، وسيطر على الطريق المعروف بطريق سراقب ــــ أبو الضهور، في خطة لمحاصرة المدينة من الشرق، كما حاصرها من الجنوب والغرب. وسيطر الجيش بداية على قرية تل الطوقان في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وحاصر نقطة المراقبة التركية فيها، ثم شرع في السيطرة على قرى: سلامين، أبو الخشة والذهبية، قبل أن يوسّعها نحو جلاس والرصافة شرقي سراقب، ثم تل الشيخ منصور المحاذي للمدينة من الناحية الشرقية. ومساء أمس، توسّعت قوات الجيش شمالي سراقب، وسيطرت على قرية الدوير، وقطعت الطريق الدولي حلب ــــ حماة (M5)، واضعةً المدينة في شبه حصار. وفي وقت متزامن، شرع الجيش في التقدّم إلى داخل أحياء المدينة، التي انسحبت منها كلّ الفصائل المسلحة خوفاً من محاصرتها داخلها، وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة). وفي طريق الدخول إلى سراقب، تعرّضت قوات الجيش لنيران المدفعية التركية المتمركزة على الطريق الدولي شمالي المدينة، فيما لم يتمّ الإبلاغ عن خسائر حتى ساعة متأخرة من ليل أمس. ويزيد دخول الجيش إلى سراقب احتمالات وقوع احتكاك مع القوات التركية المنتشرة في 4 نقاط في محيط المدينة. وستصبح نقطتان تركيتان على الأقلّ، شرق وجنوب سراقب، معرّضتين لحصار كامل، لتنضمّا إلى النقاط الأخرى المحاصرة في حال عدم انسحاب القوات منهما.
قبيل ذلك، كان إردوغان قد رفع سقف تهديداته بشكل لافت، محدّداً مهلاً زمنية قبل «التصرّف». وأمهل الرئيس التركي القيادة السورية حتى نهاية شباط/ فبراير الحالي لسحب قواتها من محيط كلّ نقاط المراقبة التي أقامتها أنقرة في شمال غرب سوريا، أي العودة إلى ما قبل الهجوم الأخير بالكامل، و«إذا لم ينسحب النظام، فإن تركيا ستتكفّل ملزَمة بذلك» كما قال. تصريحات إردوغان الغاضبة تجاهلت الواقع الميداني، إذ إن 4 نقاط تمركزت فيها القوات التركية في ريفَي إدلب وحلب باتت مطوّقة من قِبَل الجيش السوري، وهي في مورك (ريف حماة)، وصرمان، ومعرحطاط (جنوبي معرة النعمان/ انسحب منها الجنود الأتراك)، وتل طوقان التي حاصرها الجيش أمس. كما أصبحت نقطتان حول سراقب معرّضتين للحصار أيضاً، وكلتاهما تقعان على خط التماس. وهدّد إردوغان بـ«(أننا) سنردّ بدون أيّ إنذار على أيّ هجوم جديد ضد عسكريّينا، أو ضد المقاتلين (السوريين) الذين نتعاون معهم». كما دعا روسيا إلى «فهم حساسياتنا في سوريا بصورة أفضل». في المقابل، ندّد مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية بتصريحات إردوغان، معتبراً أن «ما يقوم به هو حماية أدواته من المجموعات الإرهابية التي قدّم لها، ولا يزال، مختلف أشكال الدعم». ورأى أن تصريحات «رأس النظام التركي تؤكّد مجدداً نهج الكذب والتضليل والمراوغة الذي يحكم سياساته، وعدم احترامه لأيّ التزام أو اتفاق، سواء في إطار أستانا أو تفاهمات سوتشي، أو موجبات اتفاق أضنة». وانطلاقاً من اعتبار إردوغان أن وجود قواته في سوريا يستمدّ شرعيته من «اتفاقية أضنة»، نبّه المصدر السوري إلى أن هذا «الاتفاق يفرض التنسيق مع الحكومة السورية، وبالتالي لا يستطيع إردوغان وفق موجباته التصرف بشكل منفرد».
في موازاة ذلك، سيطرت وحدات من الجيش السوري، أمس، على قرى جزرايا وزمار وعثمانية كبيرة في أقصى ريف حلب الجنوبي الغربي. كما تمكّن الجيش، ليل أول من أمس، من استيعاب هجوم كبير شنّته «هيئة تحرير الشام» على القرى التي سيطر عليها أخيراً في ريف حلب الجنوبي. وشنت هذا الهجوم المجموعات الأجنبية من الهيئة (الطاجيك، الأوزباك، التركستان والأتراك)، لكنها تكبّدت خسائر فادحة في الأرواح والتجهيزات، إذ قتل أكثر من 50 عنصراً منها. وفي المقابل، استعادت الفصائل المهاجِمة السيطرة على قريتَي قلعجية والحمراء، جنوبي خان طومان.