حرّكت "بحصة" سمير جعجع مياه الانتخابات الرئاسية الراكدة. ترشيحه العماد ميشال عون إلى الرئاسة منح حظوظ الأخير دفعاً كبيراً، رغم إجماع القوى السياسية على أن الانتخابات لن تُجرى قريباً. حزب الله أدار ماكيناته، لمحاولة إقناع النائب سليمان فرنجية بوضع ترشيحه جانباً، وتأييد ترشيح عون. وتُذكّر مصادر قريبة من الجنرال عون بمواقف فرنجية التي قالها علناً، وتلك التي عبّر عنها أمام كلّ من عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والوزير جبران باسيل، لناحية تأكيده الاستعداد لترشيح عون في حال كانت للأخير فرصة للوصول إلى قصر بعبدا، "ولو لم تتجاوز هذه الفرصة عتبة الواحد في المئة". وتؤكد المصادر العونية أن فرنجية قال لباسيل إنه مستعد لدعم الجنرال عندما يحوز الأخير ترشيحاً من جعجع. وليل أمس، كانت لافتة الإيجابية التي تحدّث بها عون عن فرنجية، إذ قال "لا أزال أنظر إليه كأنه ابني، وأنا مستعد لتغطيته حيث يمكنني ذلك".وفي حال تمكّن الحزب من إقناع حليفه الشمالي، سيكون تيار المستقبل محرجاً أمام مشهد التأييد المسيحي العارم لعون، وهو الإحراج الذي أمكن تلمّسه أمس من بيان كتلة المستقبل الذي تحاشى توجيه أي إشارة سلبية إلى خطوة جعجع، بل رحّب بما سمّاه "المصالحة" بين القوات والتيار الوطني الحر. وبحسب مصادر قريبة من دائر القرار في المستقبل، فإن الأخير لن يجرؤ على الوقوف في وجه غالبية مسيحية واضحة باتت تؤيد عون، ولا سيما أن هذه الغالبية ستتمدّد في الأيام المقبلة، سواء في تحركات شعبية، أو في موقف الكنيسة الذي سيتظهّر أكثر، في ظل إعلان المطران بولس صياح أمس أن بكركي ترحّب بما جرى في معراب، وأنها تؤيد أي تقارب مسيحي ــ مسيحي.
وتشير مصادر في تكتل التغيير والإصلاح إلى أن حزب الكتائب الذي لم يُعلن موقفه بعد سيكون محرجاً أيضاً. فهو لا يستطيع، بحسابات منطقية، الوقوف في وجه "المحدلة" الثنائية الجديدة التي أعلنت عن نفسها من معراب أول من أمس. وإذا بقي خارج هذه الثنائية، فإن قوانين الانتخابات التي يتمسّك بها حليفه تيار المستقبل ستهدّد كرسي النائب سامي الجميّل نفسه في المتن الشمالي.
كرامي: أهلاً وسهلاً بكل الأصوات التي توصل الجنرال عون الى سدة الرئاسة

في المقابل، تسأل مصادر سياسية "وسطية" عمّا يمكن حزب الله أن يعطيه لفرنجية، في مقابل تخلّي الأخير عن ترشّحه. وتلفت المصادر إلى صعوبة اقتناع النائب الشمالي بوعد من الامين العام لحزب الله ومن الرئيس السوري بشار الأسد بأن يكون "وصيف عون" ومرشحاً وحيداً لقوى 8 آذار للرئاسة بعد 6 سنوات، لسببين: الاول، عدم قدرة أيّ كان على الرهان على الأوضاع السياسية والامنية المحلية والإقليمية بعد 6 سنوات، فيما يحمل رئيس تيار المردة في جيبه دعماً حالياً للوصول إلى بعبدا من الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط وموافقة سعودية وأميركية وفرنسية. أما السبب الثاني، فهو أن مشهد معراب أول من أمس كان يقول بوضوح إن جعجع هو "وصيف عون".
وأمام حزب الله مهمة أخرى، تبدو شاقة أكثر، وهي إقناع الرئيس نبيه بري بتأييد وصول حليف حليفه إلى كرسي الرئاسة الأولى. لكن هذه المهمة تصبح يسيرة إذا ما تخلى فرنجية نفسه عن الترشح.
وكان بري قد استقبل أمس الوزيرين باسيل والياس بو صعب لإطلاعه على "اتفاق معراب"، في إطار الجولة التي يقوم بها وزير الخارجية على مختلف القوى السياسية في الأيام المقبلة، والتي باشرها من عين التينة ومنزل الوزير السابق فيصل كرامي. وقال بري لزواره أمس: "من المفترض أن أكوّن الرأي الأخير وليس لي أن أقول الموقف الأول. أنا في انتظار استجماع المواقف والمعطيات كي أكوّن موقفي كرئيس للمجلس". وأضاف «كحركة أمل سأجتمع بهيئة الرئاسة والمكتب السياسي عندما تتوافر لدي المعطيات لاتخاذ الموقف المناسب». وعن المصالحة بين القوات والتيار الوطني الحر، قال برّي «ما جرى يؤكد نظريتي أن ليس بين اللبنانيين عداوات بل خصومات، ولعلّ خصومة عون ــ جعجع الأكثر تباعداً. من هنا، فإن ما حصل بينهما خطوة متقدّمة في الساحة المسيحية تريح البلد وأمر إيجابي، لكنها ليست كافية في موضوع الاستحقاق الرئاسي".
بدوره، قال كرامي: "ما نطالب به منذ مدة طويلة هو شخص العماد عون، ولكن هذا لا ينفي أن هناك مشكلة قضائية مع سمير جعجع، ولم تعالج بالقضاء بل عولجت بعفو في مجلس النواب، وهو في رأينا غير دستوري وغير قانوني. ولكن هذا موضوع منفصل عن موضوع دعمه للجنرال عون، فأهلاً وسهلاً بكل الاصوات التي توصل الجنرال عون الى سدة الرئاسة وتوصل مرشحنا".
وبحسب مصادر وثيقة الصلة بالمشاورات الجارية بين القوى السياسية، فإن بري وجنبلاط لن يحملا "وِزر" معارضة خيار أكثرية المسيحيين. وهما سيراهنان على موقف تيار المستقبل، "الأكثر تعنّتاً" بين القوى السياسية الرافضة لوصول الجنرال إلى قصر بعبدا. وحتى ليل أمس، كانت المعطيات الواردة من الرياض تؤكّد أن المستقبل، ومن خلفه السعودية، سيعطّلان الاستحقاق الرئاسي، حتى لو اتسعت مروحة القوى الداعمة لرئيس "التغيير والإصلاح".
على صعيد المواقف الخارجية، وفيما تردّد أمس عن زيارة قريبة سيقوم بها فرنجية إلى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس، كان لافتاً موقف وزير الخارجية القطري الذي نقلت عنه وسائل إعلام ليلاً وصفه قرار جعجع بترشيح عون إلى الرئاسة بـ"القرار الحكيم الذي أخذ في الاعتبار مصلحة لبنان". ورأت مصادر وزارية أن هذا التصريح يمنح جعجع "غطاءً من نوع خاص"، في حال قرّرت السعودية قطع علاقتها به. كذلك فإنه يصبّ في خانة الرأي القائل إن خطوة رئيس القوات ما كانت لتتم من دون موافقة أميركية، أو على الأقل "غضّ طرف".

الكتائب يعتذر من حزب الله

من جهة أخرى، استقبل نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، وفداً من حزب الكتائب برئاسة أمينه العام رفيق غانم، في حضور النائب علي فياض والنائب السابق نزيه منصور. وبحسب بيان أصدره الحزب، كان اللقاء "مناسبة ليعتذر الوفد عن مقالة مسيئة لحزب الله وردت على موقع الكتائب الإلكتروني، وكانت سبباً لدعوى قضائية. وقد أبلغهم نائب الأمين العام بإسقاط الدعوى".
وقال قاسم: "كل مصائبنا في لبنان والمنطقة من إسرائيل، وعندما يكشف كل الأفرقاء جرائمها وعدوانها، ويعبّرون عن مناصرتهم للفلسطينيين وقضيتهم، فهذا الأمر يضيِّق الخناق على إسرائيل ويتماهى مع مقاومتها، لتدرك أنها معزولة ومرفوضة".
على الصعيد الحكومي، زار وزير المال علي حسن خليل النائب سامي الجميّل والرئيس السابق ميشال سليمان، للتباحث معهما بشأن تلبية مطلب عون في التعيينات الأمنية، بما يتيح تفعيل عمل مجلس الوزراء.