كما في نهاية كلّ عام، ركّزت جلسة تقييم فلاديمير بوتين لهذا العام على التحدّيات التي تواجهها موسكو، في ظلّ تبدّل موازين القوى. وأعرب بوتين عن قلقه إزاء إطلاق سباق تسلّح سيكون «سيّئاً» على كلّ الصعد، واضعاً الكرة في ملعب واشنطن لتمديد معاهدة «نيو ستارت». وإذ أعلن أن حقبته ستنتهي مع انتهاء ولايته الثانية في 2024، تحدّث طويلاً عن الإنجازات التي حقّقتها روسيا في العقدين الماضيين.لا يمرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في المؤتمر الصحافي الموسّع الذي يعقده في نهاية كل عام، من دون تسجيل مواقف لافتة. يوم أمس، استضاف مركز التجارة العالمي في موسكو ما يقرب من ألفي صحافي، استمعوا إلى بوتين الذي أفرد، كعادته، جلسة نقاش على مدى أكثر من أربع ساعات. وإذ نفى «ما يشاع» في شأن دعم بلاده المشير خليفة حفتر في ليبيا، لفت إلى أن موسكو تتواصل مع مختلف أطراف الأزمة «الحسّاسة جداً». وفيما أعلن قرب التوصّل إلى اتفاق مع كييف في شأن إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، أكد أنه لا يعتزم الترشّح لولاية جديدة، ما يعني مغادرته منصبه في 2024.
المؤتمر الصحافي الـ15 للرئيس الروسي توقَّف عند ملفات عديدة للتعليق عليها. وفي معرض إجابته عمّا «يُشاع» في الغرب في شأن مساندة موسكو خليفة حفتر، دعا بوتين إلى عدم تصديق كلّ ما يقال في وسائل الإعلام الغربية، مؤكداً أن جميع الدول، بما فيها روسيا، تحافظ على اتصالات مع كلّ من حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج وحفتر. هناك «صعوبة في تحديد من على صواب ومن المخطئ في ليبيا». الأصحّ بالنسبة إليه «إيجاد حلٍّ يسمح بوقف العمليات العسكرية بين الأطراف» المتنازعين، كمقدمة «للتفاهم على من سيحكم البلد وكيف وفي إطار أيّ سلطة»، لكون المشكلة «حسّاسة جداً»، و«الجميع يعرف من أوصل ليبيا إلى حالة الفوضى والانهيار».
انتقالاً إلى محيط بلاده، تطرّق إلى القضية الأوكرانية. كان المؤتمر مناسبة لإعلان بوتين قرب التوصل إلى اتفاق جديد بين موسكو وكييف في شأن إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، بعدما فشلت قمة «رباعي النورماندي» التي جمعت بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في باريس، أخيراً، في التوصل إلى صيغة تحافظ على الاتفاق الذي ينتهي نهاية العام الجاري، على رغم أنهما توصّلا إلى مقدّمات تفاهم قد تتحوّل في وقت لاحق إلى اتفاق يضع أسساً جديدة للعلاقات بينهما، بعد حلّ معضلة إقليم دونباس الشرقي. بالنسبة إلى بوتين، فإن فتح حرب غاز جديدة لن يكون في مصلحة روسيا.
بوتين: روسيا المعاصرة لا تعيش على تركة الاتحاد السوفياتي


داخلياً، أثارت ملاحظة محيّرة للرئيس الروسي في شأن الحدّ من الولايات الرئاسية، مجدداً، تخمينات عن قرب رحيله نهائياً من الرئاسة في 2024. سُئل بوتين عن الإصلاح الدستوري، وخصوصاً منع تولّي أكثر من «ولايتين متتاليتين»، ليعلّق قائلاً: «ما يمكننا القيام به في شأن هذه الولايات، هو إلغاء كلمة متتاليتين في ما يخصّ منصب الرئيس». وفي حال أُلغي هذا النعت من الدستور، فإن ذلك سيعني استبعاد تولّي بوتين الرئاسة بعد 2024 مع انتهاء ولايته الثانية الحالية. ولن يعود في إمكانه مغادرة منصب الرئيس لفترة ثم العودة كما فعل في 2012 بعد أربع سنوات (2008-2012) تولّى فيها رئاسة الوزراء. وأوضح: «لدينا ولايتان متتاليتان، خادمكم المخلص أنجز ولايتيه، ثم يغادر المنصب».
وجدّد الإشارة إلى أن روسيا المعاصرة لا تعيش على تركة الاتحاد السوفياتي، بل تمكّنت من إنشاء بنية اقتصادية وصناعية قوية خلال العقدين الأخيرين، قوامها 75% من الطاقات في الصناعات التحويلية، وبناء ثلاثة مطارات جديدة و12 محطة قطار، ورفع طول الطرق الفدرالية من 39 إلى 80 ألف كيلومتر، إضافة إلى بناء العديد من المجمعات في قطاع الغاز والطاقة. ورغم قوله إنه «يجب علينا أن نفتخر بما تم إنجازه في الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك النصر في الحرب الوطنية العظمى والوصول إلى الفضاء»، أعرب عن اعتقاده بأن ربط نشاط «الحزب الشيوعي» بعملية بناء الدولة السوفياتية كان بمثابة «الخطأ الأساسي الذي لم يأخذ في الاعتبار الجوانب الجيوسياسية»، ما أدى إلى انهيار الاتحاد إثر انهيار الحزب.
وتعليقاً على إجراءات عزل دونالد ترامب، اعتبر بوتين أنها تستند إلى أسس «مختلقة»، أساسها «نزاع سياسي داخلي» بين الديموقراطيين والجمهوريين. أما الحجّة التي يسوقها خصوم الرئيس الأميركي ضده في ما يتعلّق بالقضية الأوكرانية، فجاءت بعد فشلهم في توريطه في مزاعم تدخّل موسكو في انتخابات 2016 الرئاسية. وانتقد واشنطن بسبب ما وصفه بـ«الخطوات غير الودّية» التي تتخذها تجاه روسيا، شاكياً على وجه الخصوص ما قال إنه رفض الردّ على مقترحات موسكو لتمديد معاهدة «نيو ستارت»، التي في حال إلغائها «لن يكون هناك شيء في العالم يحدّ من سباق التسلح. وهذا في رأيي سيكون أمراً سيّئاً». كذلك، أكد أن بلاده لا تعتزم الدخول في تحالف عسكري مع الصين، على رغم أنها تقدّم لها العون في بناء نظام تحذير من الصواريخ الهجومية.