المؤشرات المُتداولة عشية الاستشارات ترفَع من احتمال إرجائها مرة أخرى، علماً بأن «أجواء القصر الجمهوري تؤكّد تمسّك عون بموعدها، وليُسَمَّ من يُسمّى»، على عكس الحريري الذي يُفضّلها بعد اتفاق مع الأفرقاء، نتيجة هبوط رصيده السياسي (تحديداً المسيحي)، وانكشاف مكانته الدولية. ما حصل يؤكّد أن السحر انقلب على الساحر. فالحريري الذي ظلّ يتصرّف منذ استقالته من موقِع المُرتاح، فيما الآخرون محشورون، تحوّل إلى الحلقة الأضعف. إصراره على استبعاد باسيل من الحكومة وتحميله مسؤولية ما آلت إليه الأمور، جعل التفاهم بينه وبين عون و«الوطني الحر» أمراً بعيد المنال، وتخلّيه طوال السنوات الماضية عن حلفه مع القوات، حصده تخلّياً قواتياً عنه في عزّ الحاجة الى عباءة مسيحية، مصحوباً بإدارة ظهر من الخارج. مع ذلك، لم تتوقف الاتصالات منذ نهار الثلاثاء بين مختلف الأفرقاء، للوصول الى تفاهم، نتيجة وقوف الحريري على مُفترق طُرق: إما العودة الكاملة الى خطّ ما يُسمى 14 آذار للحصول على أصوات نواب القوات. وإما الخروج من المشهد نهائياً (وهو ما لا يستسيغه فريق 8 آذار)، أو التراجع خطوة إلى الوراء في ما يتعلق بشكل الحكومة والشروط التي سبَق أن رفعها، علّ هذا الأمر ينجَح في إحداث خرق ما. حتى ساعات الليل المتأخرة يومَ أمس، لم يُسجّل أي تقدّم. لكن المرجح أن لا تكون الاستشارات الثالثة «ثابتة» مع إصرار الحريري على «نِصاب ميثاقي»، دفعه الى استئناف حركته السياسية. بدأت أولاً من عين التينة، حيث التقى الرئيس نبيه برّي لنحو ساعتين تخللتهما مأدبة غداء، في لقاءٍ هو الأول بينهما منذ الاستقالة. ومن ثمّ اتصاله برئيس «تيار المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، موضحاً «أن كلامه عن غياب الكتل المسيحية الوازنة عن تسمية الرئيس المكلف لم يُقصد منه أبداً أي إنقاص من احترامه الكامل لتمثيل كتلة المردة أو أي من النواب المنضوين في كتل أخرى أو النواب المسيحيين المستقلين».
برّي طالب الحريري بمعاودة تفعيل حكومة تصريف الأعمال
البيان الذي صدر بعدَ اجتماع عين التينة لفت إلى أن «بري والحريري أكدا وجوب تحلّي كل اللبنانيين في هذه المرحلة بالوعي وعدم الانجرار نحو الفتنة التي يدأب البعض على العمل جاهداً نحو جرّ البلاد للوقوع في أتونها». أما في الشأن الحكومي، فشدّدا «على أن الحاجة الوطنية باتت أكثر من ملحّة للإسراع بتشكيل الحكومة وضرورة مقاربة هذا الاستحقاق بأجواء هادئة بعيداً عن التشنج السياسي». وبحسب المصادر «ناقش بري والحريري التطورات الأخيرة»، ولا يزال هناك «تمسّك به كمرشح». وتقول المصادر إن «بري ناقش معه إمكانية التخفيف من الشروط إذا كان راغباً في التكليف، انطلاقاً من مصلحة البلد، أو أقله تسمية أحد من قبله». وفيما قالت المصادر إن «الاستشارات حتى اللحظة قائمة»، أبلغ الحريري بري أنه سيعاود التشاور مع رئيس الجمهورية والقوات مجدداً، فيما طالبه بري بـ«معاودة تفعيل حكومة تصريف الأعمال بالحد الممكن»، وخاصة أن «مرحلتها يُمكن أن تطول».