لا تنفكّ سلطات الأمر الواقع تتّخذ الخطوة تلو الأخرى في إطار الاصطفاف الدولي الجديد لبوليفيا ما بعد الانقلاب، سعياً إلى إثبات أن «بوليفيا الجديدة» لن تشبه، بأيّ حالٍ من الأحوال، تلك التي رسم ملامحها إيفو موراليس. ولأن اليمين يخوض، راهناً، معركة أيديويوجية عبر تأجيج الانقسامات في المجتمع واستفزاز الغالبية من الشعب البوليفي، ارتأت رئاسة جانين آنيز أن الآن هو الوقت المناسب لتطبيع كامل للعلاقات مع واشنطن، عبر إعلانها تعيين سفير لها لدى الولايات المتحدة للمرّة الأولى منذ ما يزيد على عقد. إعلانٌ جاء على لسان كارن لونغارك، وزيرة الخارجية في حكومة آنيز، والتي أكّدت تعيين السفير الجديد والتر أوسكار سيرات. ولاستكمال إجراءات تعيين السفير الذي كان ممثلاً لبوليفيا لدى الأمم المتحدة، لا يزال يتعيَّن على مجلس الشيوخ البوليفي حيث يشكّل حزب موراليس «حركة من أجل الاشتراكية» الغالبية، الموافقة. مثّل عام 2008 ذروة أزمة انتهت بطردٍ متبادَل لسفيرَي البلدين، وتالياً قطع العلاقات. طَرد موراليس السفير الأميركي، فيليب غولدبرغ، لتردّ واشنطن بطرد السفير البوليفي، غوستافو غوزمان. حدث ذلك بعدما وقَعت أوّل محاولة انقلاب في بوليفيا خطّطت لها إدارة جورج دبليو بوش ودعمتها. حينها، قادت خمس إدارات في الشرق البوليفي، من أصل تسع، تمرداً واسعاً وسط مساعٍ فاشلة للانفصال عن البلاد، وتقسيمها إلى شطرين: شطرٌ غنيّ يسيطر عليه أحفاد الأوروبيين، وآخر ذو غالبية فقيرة من السكان الأصليين. ومذّاك، لم تتوقّف المساعي الأميركية للتخلّص من حُكم اليسار في بوليفيا، إلى أن نجحت، أخيراً، في تأليب الجيش والمؤسّسات على الرئيس الذي أُعيد انتخابه في 20 تشرين الأول/ أكتوبر. وكانت واشنطن، كعادتها، سبّاقة إلى الاعتراف برئاسة جانين آنيز. وعلى الرغم من أن الإعلان جاء من طرف واحد في خطوة غير دستورية، إلا أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، رأى فيه «تحولاً ديمقراطياً»، ستنتج منه «انتخابات حرّة ونزيهة». بذلك، يكون اليمين البوليفي أعاد رسم سياسة خارجية للبلاد تمثّل قطيعة مع تلك اليسارية التي انتهجها الزعيم البوليفي المُقال. هذا التوجّه سرعان ما عبّرت عنه حكومة اليمين حين اعترفت، في اليوم التالي لاستيلائها على السلطة، بالمعارض خوان غوايدو «رئيساً» لفنزويلا وطردت الدبلوماسيين الفنزويليين الذين يمثّلون حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، وقطعت علاقاتها مع كوبا، وأقالت كل السفراء الذين عُيّنوا خلال عهد موراليس، باستثناء سفيرَي بوليفيا في البيرو والفاتيكان.
مثّل عام 2008 ذروة أزمة انتهت بقطع العلاقات الأميركية - البوليفية


تأتي هذه الخطوة في ظلّ محاولة حكومة آنيز الإيحاء بأن الوضع في البلاد بدأ يعود إلى طبيعته تدريجياً، بعدما أعلنت التوصّل إلى اتفاقات «سلام» مع السكان الأصليين والمزارعين والنقابات الستّ لمزارعي الكوكا في تشاباري (وسط) لتعليق التظاهرات وفتح الطرق، في مقابل سحب الجيش من مناطق الاحتجاج. لكن ذلك لم يمنع أنصار موراليس من مواصلة الاحتجاج في منطقة تشاباري الواقعة على سفوح جبال الأنديز، معقل الرئيس السابق، عبر إغلاق الطرق. وتعليقاً على تلك الاحتجاجات، رأى نائب رئيس نقابة مُنتجي الكوكا، أندرونيكو رودريغيز، أن «هؤلاء القرويين» الذين لا يزالون يعتبرون «أخاهم إيفو» رئيساً للبلاد، يشكّلون «تياراً راديكالياً سيكون من الصعب جعله يفهم أن عليه تعليق» الحراك. وفي إشارة إلى التطبيع مع الوضع القائم، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بما وصفه بـ«التقدم الإيجابي نحو حلّ سلمي وديمقراطي للأزمة في بوليفيا».
على خطّ مواز، أعلن وزير الخارجية في حكومة آنيز أن 20 مسؤولاً سياسياً مقرّبين من موراليس لجأوا إلى سفارة المكسيك في العاصمة لاباز، بعدما صدرت مذكّرات توقيف في حقّ أربعة منهم. ومن بين هؤلاء الأربعة، وزير الشؤون الرئاسية السابق خوان رامون كينتانان، الذي تتهمه السلطات الجديدة بـ«التحريض» و«الإرهاب».